فكر الأزمة فيما يتصل بالقضية الفكرية فإنه في مرحلة من المراحل، يمكن للعمل الإسلامي أن يمر بأزمة ينتج عنها نوع من الفكر يمكن أن نسميه " فكر الأزمة " ، يكون بمثابة المصل الواقي في مرحلة انتشار المرض، ويعطي نوعا من الحصانة والقدرة على المواجهة، لكن المشكلة قد تكون في أن هـذا الفكر قد يمتد إلى ما بعد الأزمة، فيكون قليل الجدوى، وعبئا على العمل الإسلامي، ولا يتناسب مع المرحلة؛ ما رأيكم في هـذه القضية؟ وكيف يمكن أن نحدد لكل مرحلة فكرها المطلوب؟
هـناك مرحلة طويلة مرت بالمسلمين، كانوا يتعرضون فيها لهجمات فكرية ضارية، تشكك في عقيدتهم، وفي شريعتهم، وفي تلك الفترة كان يكفي العمل الإسلامي أن يعمل على حفظ الثقة بالنفس، أو استعادة هـذه الثقة إن كانت قد بدأت تتبدد، ولا بأس أن تطلق بعض العموميات أو الشعارات أو الكلمات التي تخاطب العاطفة، لوقاية الشخصية الإسلامية الفردية والجماعية، الفكرية والعملية الحياتية، والحفاظ عليها بأيسر طريق؛ لأن هـذه الفترة - نتيجة للهجمات الفكرية الاستعمارية المتعددة الجوانب - لم يكن من المتاح فيها ولا من المطلوب بذل جهود هـي فوق طاقة الإمكانات المتاحة للحفاظ على الهوية الإسلامية. وأعتقد أن المسلمين قد تجاوزوا الآن هـذا الدور؛ لأن الغرب قد ابتلي بأزمات كثيرة بعد نهاية الحرب العالمية الأخيرة، ويعاني الآن ألوانا كثيرة من القلق، والاضطراب، والأزمات، فلم يعد قادرا على أن يقدم الشخصية الحضارية و " الأيديولوجية " التي تغني الآخرين، بل لديه من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن المشكلات السياسية، ما يقلقه دائما، ويجعل أفراده وجماعاته في حالة توتر دائم، وقلق مستمر، وخوف من أخطار الحرب والبطالة والتلوث، وتحلل [ ص: 102 ] الأسرة والمجتمع، والقلق النفسي للرجل والمرأة، والفتى والفتاة، والطفل والبالغ، والشاب والشيخ، في النواحي كلها هـناك قصور وأزمات ومشكلات. ولقد أسهم ذلك في تغيير الصورة المثالية المستقرة الهانئة الرضية للمجتمع الغربي نفسيا وفكريا واجتماعيا، وكان العمل الإسلامي أيضا يتطور، وقد بلغنا الآن مرحلة لا يكفي فيها أن نطلق العموميات، ولا أن نهتف بشعارات، بل لا بد أن نكون أكثر تفصيلا، وأكثر تخصيصا، وأكثر إرضاء لمطالب العصر، وللحاجات الملحة التي تضغط على الواقع.