الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( خضر ) ( هـ ) فيه إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا وذكر الحديث ، ثم قال : إن الخير لا يأتي إلا بالخير ، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ، إلا آكلة الخضر ، فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت ، وإنما هذا المال خضر حلو ، ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل هذا الحديث يحتاج إلى شرح ألفاظه مجتمعة ، فإنه إذا فرق لا يكاد يفهم الغرض منه : الحبط بالتحريك : الهلاك . يقال حبط يحبط حبطا ، وقد تقدم في الحاء . ويلم : يقرب . أي يدنو من الهلاك . والخضر بكسر الضاد : نوع من البقول . ليس من أحرارها وجيدها . وثلط البعير يثلط : إذا ألقى رجيعه سهلا رقيقا . ضرب في هذا الحديث مثلين : أحدهما للمفرط في جمع الدنيا والمنع من حقها ، والآخر للمقتصد في أخذها والنفع بها . فقوله : إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ، فإنه مثل للمفرط الذي يأخذ الدنيا بغير حقها ، وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه ، حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد الاحتمال ، فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك أو تقارب الهلاك ، وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها قد تعرض للهلاك في الآخرة بدخول النار ، وفي الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إياه ، وغير ذلك من أنواع الأذى . وأما قوله : إلا آكلة الخضر ، فإنه مثل للمقتصد ، وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي أمطاره فتحسن وتنعم ، ولكنه من البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها حيث لا تجد سواها ، وتسميها العرب الجنبة ، فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستمرئها ، فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ، فهو بنجوة من وبالها ، كما نجت آكلة الخضر ، [ ص: 41 ] ألا تراه قال : أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ، أراد أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة عين الشمس تستمرئ بذلك ما أكلت ، وتجتر وتثلط ، فإذا ثلطت فقد زال عنها الحبط . وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلئ بطونها ولا تثلط ولا تبول ، فتنتفخ أجوافها ، فيعرض لها المرض فتهلك . وأراد بزهرة الدنيا حسنها وبهجتها ، وببركات الأرض نماءها وما يخرج من نباتها .

                                                          ( هـ ) ومنه الحديث إن الدنيا حلوة خضرة أي غضة ناعمة طرية .

                                                          ومنه حديث عمر رضي الله عنه اغزوا والغزو حلو خضر أي طري محبوب لما ينزل الله فيه من النصر ويسهل من الغنائم .

                                                          ( هـ ) وفي حديث علي اللهم سلط عليهم فتى ثقيف الذيال يلبس فروتها ، ويأكل خضرتها أي هنيئها ، فشبهه بالخضر الغض الناعم .

                                                          ومنه حديث القبر يملأ عليه خضرا أي نعما غضة .

                                                          ( هـ ) وفيه تجنبوا من خضرائكم ذوات الريح يعني الثوم والبصل والكراث وما أشبهها .

                                                          ( هـ ) وفيه أنه نهى عن المخاضرة هي بيع الثمار خضرا لم يبد صلاحها .

                                                          ومنه حديث اشتراط المشتري على البائع أنه ليس له مخضار المخضار : أن ينتثر البسر وهو أخضر .

                                                          ( هـ ) وفي حديث مجاهد ليس في الخضراوات صدقة يعني الفاكهة والبقول . وقياس ما كان في هذا الوزن من الصفات أن لا يجمع هذا الجمع ، وإنما يجمع به ما كان اسما لا صفة ، نحو صحراء ، وخنفساء ، وإنما جمعه هذا الجمع لأنه قد صار اسما لهذه البقول لا صفة ، تقول العرب لهذه البقول : الخضراء . لا تريد لونها .

                                                          ومنه الحديث أتي بقدر فيه خضرات بكسر الضاد أي بقول ، واحدها خضرة .

                                                          [ ص: 42 ] ( هـ ) وفيه إياكم وخضراء الدمن جاء في الحديث أنها المرأة الحسناء في منبت السوء ، ضرب الشجرة التي تنبت في المزبلة فتجيء خضرة ناعمة ناضرة ، ومنبتها خبيث قذر مثلا للمرأة الجميلة الوجه اللئيمة المنصب .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الفتح مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء يقال : كتيبة خضراء : إذا علب عليها لبس الحديد ، شبه سواده بالخضرة . والعرب تطلق الخضرة على السواد .

                                                          ومنه حديث الحارث بن الحكم أنه تزوج امرأة فرآها خضراء فطلقها أي سوداء .

                                                          وفي حديث الفتح أبيدت خضراء قريش أي دهماؤهم وسوادهم .

                                                          ومنه الحديث الآخر : فأبيدوا خضراءهم .

                                                          وفي الحديث ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر الخضراء السماء ، والغبراء الأرض .

                                                          ( هـ ) وفيه من خضر له في شيء فليلزمه أي بورك له فيه ورزق منه . وحقيقته أن تجعل حالته خضراء .

                                                          ومنه الحديث إذا أراد الله بعبد شرا أخضر له في اللبن والطين حتى يبني .

                                                          ( هـ ) وفي صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان أخضر الشمط أي كانت الشعرات التي قد شابت منه قد اخضرت بالطيب والدهن المروح .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية