الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( سعى ) ( س ) فيه لا مساعاة في الإسلام ، ومن ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته المساعاة الزنا ، وكان الأصمعي يجعلها في الإماء دون الحرائر لأنهن كن يسعين لمواليهن فيكسبن لهم بضرائب كانت عليهن . يقال : ساعت الأمة إذا فجرت . وساعاها فلان إذا فجر بها ، وهو مفاعلة من السعي ، كأن كل واحد منهما يسعى لصاحبه في حصول غرضه ، فأبطل الإسلام ذلك ولم يلحق النسب بها ، وعفا عما كان منها في الجاهلية ممن ألحق بها .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث عمر أنه أتي في نساء أو إماء ساعين في الجاهلية ، فأمر بأولادهن أن يقوموا على أبائهم ولا يسترقوا . معنى التقويم : أن تكون قيمتهم على الزانين لموالي الإماء ، ويكونوا أحرارا لاحقي الأنساب بآبائهم الزناة . وكان عمر رضي الله عنه يلحق أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام ، على شرط التقويم . وإذا كان الوطء والدعوى جميعا في الإسلام فدعواه باطلة ، والولد مملوك ; لأنه عاهر ، وأهل العلم من الأئمة على خلاف ذلك . ولهذا أنكروا بأجمعهم على معاوية في استلحاقه زيادا ، وكان الوطء في الجاهلية والدعوى في الإسلام .

                                                          ( هـ ) وفي حديث وائل بن حجر أن وائلا يستسعى ويترفل على الأقوال أي يستعمل على الصدقات ، ويتولى استخراجها من أربابها ، وبه سمي عامل الزكاة الساعي . وقد تكرر في الحديث مفردا ومجموعا .

                                                          [ ص: 370 ] ومنه قوله ولتدركن القلاص فلا يسعى عليها أي تترك زكاتها فلا يكون لها ساع .

                                                          ( س هـ ) ومنه حديث العتق إذا أعتق بعض العبد فإن لم يكن له مال استسعي غير مشقوق عليه استسعاء العبد إذا عتق بعضه ورق بعضه : هو أن يسعى في فكاك ما بقي من رقه ، فيعمل ويكسب ويصرف ثمنه إلى مولاه ، فسمي تصرفه في كسبه سعاية . وغير مشقوق عليه : أي لا يكلفه فوق طاقته . وقيل معناه استسقى العبد لسيده : أي يستخدمه مالك باقيه بقدر ما فيه من الرق ، ولا يحمله ما لا يقدر عليه . قال الخطابي : قوله : استسعي غير مشقوق عليه ، لا يثبته أكثر أهل النقل مسندا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويزعمون أنه من قول قتادة .

                                                          ( هـ ) وفي حديث حذيفة في الأمانة وإن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه علي ساعيه ، يعني رئيسهم الذي يصدرون عن رأيه ولا يمضون أمرا دونه . وقيل أراد الوالي الذي عليه : أي ينصفني منه ، وكل من ولي أمر قوم فهو ساع عليهم .

                                                          ( هـ ) وفيه إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون السعي : العدو ، وقد يكون مشيا ، ويكون عملا وتصرفا ، ويكون قصدا ، وقد تكرر في الحديث . فإذا كان بمعنى المضي عدي بإل‍ى ، وإذا كان بمعنى العمل عدي باللام .

                                                          ومنه حديث علي في ذم الدنيا من ساعاها فاتته أي سابقها ، وهي مفاعلة ، من السعي ، كأنها تسعى ذاهبة عنه ، وهو يسعى مجدا في طلبها ، فكل منهما يطلب الغلبة في السعي .

                                                          ( هـ ) وفي حديث ابن عباس الساعي لغير رشدة أي الذي يسعى بصاحبه إلى السلطان ليؤذيه ، يقول هو ليس بثابت النسب وولد حلال .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث كعب الساعي مثلث يريد أنه يهلك بسعايته ثلاثة نفر : السلطان والمسعي به ونفسه .

                                                          [ ص: 371 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية