الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( رأى ) ( هـ ) فيه أنا بريء من كل مسلم مع مشرك ، قيل : لم يا رسول الله ؟ قال : لا تراءى ناراهما أي يلزم المسلم ويجب عليه أن يباعد منزله عن منزل المشرك ، ولا ينزل بالموضع الذي إذا أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر لنار المشرك إذا أوقدها في منزله ، ولكنه ينزل مع المسلمين في دارهم . وإنما كره مجاورة المشركين لأنهم لا عهد لهم ولا أمان ، وحث المسلمين على الهجرة . والترائي : تفاعل من الرؤية ، يقال : تراءى القوم : إذا رأى بعضهم بعضا ، وتراءى لي الشيء : أي ظهر حتى رأيته . وإسناد الترائي إلى النارين مجاز ، من قولهم داري تنظر إلى دار فلان : أي تقابلها . يقول : ناراهما مختلفتان ، هذه تدعو إلى الله ، وهذه تدعو إلى الشيطان فكيف يتفقان . والأصل في " تراءى " : تتراءى ، فحذف إحدى التاءين تخفيفا .

                                                          ( هـ ) ومنه الحديث إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء أي ينظرون ويرون .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث أبي البختري تراءينا الهلال أي تكلفنا النظر إليه هل نراه أم لا .

                                                          * ومنه حديث رمل الطواف إنما كنا راءينا به المشركين . هو " فاعلنا " من الرؤية : أي أريناهم بذلك أنا أقوياء ( هـ ) وفيه أنه خطب فرئي أنه لم يسمع . رئي : فعل لم يسم فاعله ، من رأيت بمعنى ظننت ، وهو يتعدى إلى مفعولين ، تقول : رأيت زيدا عاقلا ، فإذا بنيته لما لم يسم فاعله تعدى إلى مفعول واحد ، فقلت : رئي زيد عاقلا ، فقوله " إنه لم يسمع " جملة في موضع المفعول الثاني . والمفعول الأول ضميره .

                                                          * وفي حديث عثمان أراهم ، أراهمني الباطل شيطانا أراد أن الباطل جعلني عندهم شيطانا ، وفيه شذوذ من وجهين : أحدهما أن ضمير الغائب إذا وقع متقدما على ضمير المتكلم والمخاطب [ ص: 178 ] فالوجه أن يجاء بالثاني منفصلا ، تقول : أعطاه إياي ، فكان من حقه أن يقول : أراهم إياي . والثاني أن واو الضمير حقها أن تثبت مع الضمائر كقولك أعطيتموني ، فكان حقه أن يقول أراهموني .

                                                          ( س ) وفي حديث حنظلة تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين تقول : جعلت الشيء رأي عينك وبمرأى منك : أي حذاءك ومقابلك بحيث تراه ، وهو منصوب على المصدر : أي كأنا نراهما رأي العين .

                                                          ( س ) وفي حديث الرؤيا : فإذا رجل كريه المرآة أي قبيح المنظر . يقال : رجل حسن المنظر والمرآة ، وحسن في مرآة العين ، وهي مفعلة من الرؤية .

                                                          * ومنه الحديث حتى يتبين له رئيهما هو بكسر الراء وسكون الهمزة : أي منظرهما وما يرى منهما . وقد تكرر .

                                                          ( هـ ) وفي الحديث أرأيتك ، وأرأيتكما ، وأرأيتكم وهي كلمة تقولها العرب عند الاستخبار بمعنى أخبرني ، وأخبراني ، وأخبروني . وتاؤها مفتوحة أبدا .

                                                          * وكذلك تكرر أيضا ألم تر إلى فلان ، وألم تر إلى كذا وهي كلمة تقولها العرب عند التعجب من الشيء ، وعند تنبيه المخاطب ، كقوله تعالى : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ، ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب أي ألم تعجب بفعلهم ، وألم ينته شأنهم إليك .

                                                          * وفي حديث عمر قال لسواد بن قارب : أنت الذي أتاك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم يقال للتابع من الجن رئي بوزن كمي ، وهو فعيل ، أو فعول ، سمي به لأنه يتراءى لمتبوعه ، أو هو من الرأي ، من قولهم فلان رئي قومه : إذا كان صاحب رأيهم ، وقد تكسر راؤه لإتباعها ما بعدها .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الخدري فإذا رئي مثل نحي . يعني حية عظيمة كالزق ، سماها بالرئي الجني ; لأنهم يزعمون أن الحيات من مسخ الجن ، ولهذا سموه شيطانا وحبابا وجانا .

                                                          ( س ) وفي حديث عمر وذكر المتعة ارتأى امرؤ بعد ذلك ما شاء أن يرتئي أي أفكر وتأنى ، وهو افتعل من رؤية القلب ، أو من الرأي .

                                                          [ ص: 179 ] * ومنه حديث الأزرق بن قيس وفينا رجل له رأي . يقال : فلان من أهل الرأي : أي أنه يرى رأي الخوارج ويقول بمذهبهم وهو المراد هاهنا ، والمحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي ، يعنون أنهم يأخذون برأيهم فيما يشكل من الحديث ، أو ما لم يأت فيه حديث ولا أثر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية