الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( رسل ) ( هـ ) فيه إن الناس دخلوا عليه بعد موته أرسالا يصلون عليه أي أفواجا وفرقا متقطعة ، يتبع بعضهم بعضا ، واحدهم رسل بفتح الراء والسين .

                                                          ومنه الحديث إني فرط لكم على الحوض ، وإنه سيؤتى بكم رسلا رسلا فترهقون عني أي فرقا . والرسل : ما كان من الإبل والغنم من عشر إلى خمس وعشرين . وقد تكرر ذكر الأرسال في الحديث .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث طهفة ووقير كثير الرسل قليل الرسل يريد أن الذي يرسل من المواشي إلى الرعي كثير العدد ، لكنه قليل الرسل ، وهو اللبن ، فهو فعل بمعنى مفعل : أي أرسلها فهي مرسلة . قال الخطابي : هكذا فسره ابن قتيبة . وقد فسره العذري وقال : كثير الرسل : أي شديد التفرق في طلب المرعى ، وهو أشبه ، لأنه قال في أول الحديث : مات الودي وهلك الهدي ، يعني الإبل ، فإذا هلكت الإبل مع صبرها وبقائها على الجدب كيف تسلم الغنم وتنمي حتى يكثر عددها ؟ وإنما الوجه ما قاله العذري ، فإن الغنم تتفرق وتنتشر في طلب المرعى لقلته .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الزكاة إلا من أعطى في نجدتها ورسلها النجدة : الشدة . والرسل بالكسر : الهينة والتأني . قال الجوهري : يقال : افعل كذا وكذا على رسلك بالكسر : أي اتئد فيه ، كما يقال : على هينتك . قال : ومنه الحديث إلا من أعطى في نجدتها ورسلها أي الشدة والرخاء . يقول يعطي وهي سمان حسان يشتد عليه إخراجها فتلك نجدتها . ويعطي في رسلها وهي مهازيل مقاربة . وقال الأزهري : معناه إلا من أعطى في إبله ما يشق عليه عطاؤه ، فيكون نجدة عليه ، أي شدة ، ويعطي ما يهون عليه إعطاؤه منها مستهينا به على رسله . وقال الأزهري : قال بعضهم : في رسلها ، أي بطيب نفس منه . وقيل ليس للهزال فيه معنى ; لأنه ذكر الرسل بعد النجدة ، على جهة التفخيم [ ص: 223 ] [ للإبل ] فجرى مجرى قولهم : إلا من أعطى في سمنها وحسنها ووفور لبنها ، وهذا كله يرجع إلى معنى واحد ، فلا معنى للهزال ; لأن من بذل حق الله من المضنون به كان إلى إخراجه مما يهون عليه أسهل ، فليس لذكر الهزال بعد السمن معنى .

                                                          قلت : والأحسن - والله أعلم - أن يكون المراد بالنجدة : الشدة والجدب ، وبالرسل : الرخاء والخصب ; لأن الرسل اللبن ، وإنما يكثر في حال الرخاء والخصب ، فيكون المعنى أنه يخرج حق الله في حال الضيق والسعة ، والجدب والخصب ; لأنه إذا أخرج حقها في سنة الضيق والجدب كان ذلك شاقا عليه ، فإنه إجحاف به ، وإذا أخرجها في حال الرخاء كان ذلك سهلا عليه ; ولذلك قيل في الحديث : يا رسول الله وما نجدتها ورسلها ؟ قال : عسرها ويسرها فسمى النجدة عسرا والرسل يسرا ; لأن الجدب عسر والخصب يسر ، فهذا الرجل يعطي حقها في حال الجدب والضيق وهو المراد بالنجدة ، وفي حال الخصب والسعة ، وهو المراد بالرسل . والله أعلم .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الخدري رأيت في عام كثر فيه الرسل البياض أكثر من السواد ، ثم رأيت بعد ذلك في عام كثر فيه التمر السواد أكثر من البياض أراد بالرسل اللبن ، وهو البياض إذا كثر قل التمر ، وهو السواد .

                                                          وفي حديث صفية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : على رسلكما أي اثبتا ولا تعجلا : يقال : لمن يتأنى ويعمل الشيء على هينته . وقد تكررت في الحديث .

                                                          ( هـ س ) وفيه كان في كلامه ترسيل أي ترتيل . يقال : ترسل الرجل في كلامه ومشيه : إذا لم يعجل ، وهو والترتيل سواء .

                                                          ( س ) ومنه حديث عمر إذا أذنت فترسل . أي تأن ولا تعجل .

                                                          ( س ) وفيه أيما مسلم استرسل إلى مسلم فغبنه فهو كذا الاسترسال : الاستئناس والطمأنينة إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه به ، وأصله السكون والثبات .

                                                          ومنه الحديث غبن المسترسل ربا .

                                                          [ ص: 224 ] ( هـ ) وفي حديث أبي هريرة أن رجلا من الأنصار تزوج امرأة مراسلا أي ثيبا . كذا قال الهروي .

                                                          وفي قصيدة كعب بن زهير :

                                                          أمست سعاد بأرض لا يبلغها إلا العتاق النجيبات المراسيل

                                                          المراسيل : جمع مرسال ، وهي السريعة السير .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية