الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( رمم ) ( س ) فيه قال : يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال الحربي : هكذا يرويه المحدثون ، ولا أعرف وجهه ، والصواب : أرمت ، فتكون التاء لتأنيث العظام ، أو رممت : أي صرت رميما . وقال غيره : إنما هو أرمت بوزن ضربت . وأصله أرممت : أي بليت ، فحذفت إحدى الميمين ، كما قالوا أحست في أحسست . وقيل : إنما هو أرمت بتشديد التاء على أنه أدغم إحدى الميمين في التاء ، وهذا قول ساقط ; لأن الميم لا تدغم في التاء أبدا . وقيل : يجوز أن يكون أرمت بضم الهمزة بوزن أمرت ، من قولهم أرمت الإبل تأرم إذا تناولت العلف وقلعته من الأرض .

                                                          قلت : أصل هذه الكلمة من رم الميت ، وأرم إذا بلي . والرمة : العظم البالي ، والفعل الماضي من أرم للمتكلم والمخاطب أرممت وأرممت بإظهار التضعيف ، وكذلك كل فعل مضعف فإنه يظهر فيه التضعيف معهما ، تقول في شد : شددت ، وفي أعد : أعددت ، وإنما ظهر التضعيف لأن تاء المتكلم والمخاطب متحركة ولا يكون ما قبلهما إلا ساكنا ، فإذا سكن ما قبلها وهي الميم الثانية التقى [ ص: 267 ] ساكنان ، فإن الميم الأولى سكنت لأجل الإدغام ولا يمكن الجمع بين ساكنين ، ولا يجوز تحريك الثاني لأنه وجب سكونه لأجل تاء المتكلم والمخاطب ، فلم يبق إلا تحريك الأول ، وحيث حرك ظهر التضعيف ، والذي جاء في هذا الحديث بالإدغام ، وحيث لم يظهر التضعيف فيه على ما جاء في الرواية احتاجوا أن يشددوا التاء ليكون ما قبلها ساكنا حيث تعذر تحريك الميم الثانية ، أو يتركوا القياس في التزام ما قبل تاء المتكلم والمخاطب .

                                                          فإن صحت الرواية ولم تكن محرفة فلا يمكن تخريجه إلا على لغة بعض العرب ، فإن الخليل زعم أن ناسا من بكر بن وائل يقولون : ردت وردت ، وكذلك مع جماعة المؤنث يقولون : ردن ومرن ، يريدون رددت ورددت ، وارددن وامررن . قال : كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول التاء والنون ، فيكون لفظ الحديث : أرمت بتشديد الميم وفتح التاء . والله أعلم .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الاستنجاء أنه نهى عن الاستنجاء بالروث والرمة الرمة والرميم : العظم البالي . ويجوز أن تكون الرمة جمع الرميم ، وإنما نهى عنها لأنها ربما كانت ميتة ، وهي نجسة ، أو لأن العظم لا يقوم مقام الحجر لملاسته .

                                                          ( س ) وفي حديث عمر رضي الله عنه قبل أن يكون ثماما ثم رماما الرمام بالضم : مبالغة في الرميم ، يريد الهشيم المتفتت من النبت . وقيل هو حين تنبت رءوسه فترم : أي تؤكل .

                                                          ( هـ ) وفيه أيكم المتكلم بكذا وكذا ؟ فأرم القوم أي سكتوا ولم يجيبوا . يقال أرم فهو مرم . ويروى : فأزم بالزاي وتخفيف الميم ، وهو بمعناه ; لأن الأزم الإمساك عن الطعام والكلام ، وقد تقدم في حرف الهمزة .

                                                          ومنه الحديث الآخر فلما سمعوا بذلك أرموا ورهبوا أي سكتوا وخافوا .

                                                          ( هـ ) وفي حديث علي رضي الله عنه يذم الدنيا " وأسبابها رمام " أي بالية ، وهي بالكسر جمع رمة بالضم ، وهي قطعة حبل بالية .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث علي إن جاء بأربعة يشهدون وإلا دفع إليه برمته الرمة بالضم : قطعة حبل يشد بها الأسير أو القاتل إذا قيد إلى القصاص : أي يسلم إليهم بالحبل الذي شد به تمكينا لهم منه لئلا يهرب ، ثم اتسعوا فيه حتى قالوا أخذت الشيء برمته : أي كله .

                                                          [ ص: 268 ] وفيه ذكر رم بضم الراء وتشديد الميم ، وهي بئر بمكة من حفر مرة بن كعب .

                                                          ( س ) وفي حديث النعمان بن مقرن فلينظر إلى شسعه ورم ما دثر من سلاحه الرم : إصلاح ما فسد ولم ما تفرق .

                                                          ( هـ ) وفيه عليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر أي تأكل ، وفي رواية : ترتم ، وهي بمعناه ، وقد تقدم في رمرم .

                                                          ( س ) وفي حديث زياد بن حدير حملت على رم من الأكراد أي جماعة نزول ، كالحي من الأعراب . قال أبو موسى : وكأنه اسم أعجمي . ويجوز أن يكون من الرم ، وهو الثرى . ومنه قولهم : جاء بالطم والرم .

                                                          ( هـ ) وفي حديث أم عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت حين أخذه عمه المطلب منها : كنا ذوي ثمه ورمه يقال ما له ثم ولا رم ، فالثم قماش البيت ، والرم مرمة البيت ، كأنها أرادت كنا القائمين بأمره منذ ولد إلى أن شب وقوي . وقد تقدم في حرف الثاء مبسوطا .

                                                          وهذا الحديث ذكره الهروي في حرف الراء من قول أم عبد المطلب ، وقد كان رواه في حرف الثاء من قول أخوال أحيحة بن الجلاح فيه ، وكذا رواه مالك في الموطأ عن أحيحة ، ولعله قد قيل في شأنهما معا ، ويشهد لذلك أن الأزهري قال : هذا الحرف روته الرواة هكذا ، وأنكره أبو عبيد في حديث أحيحة ، والصحيح ما روته الرواة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية