الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                في التنبيهات : هذه المسائل خمس : أنت حر وعليك كذا ، أنت حر على أن عليك كذا ، أنت حر على أن تدفع إلي كذا ، أنت حر على أن تؤدي إلي كذا ، الخامسة : أنت حر إن أديت إلي كذا ، أو دفعته ، أو أديته ، أو جئت به ، أو أعطيته ، أو متى جئت به ، أو أديته ، فمعظم الشراح والمختصرين : أن مذهب مالك في هذه الخمس : أنه ثلاثة ، لها ثلاثة أجوبة ، ترجع إلى جوابين في الحقيقة : الأول : عليك ، وعلي ، أن عليك ، هم سواء ، يعتق على هذا وإن كره . الثانية : أنت حر على أن تدفع إلي كذا ، لا يعتق حتى تدفع ، لأنه لم يبتل عتقه إلا بعد الدفع ، ولم يختلف المذهب أنه الخيار في القبول ، لأنها كتابة ، وكذلك ينبغي على مذهبه أن يكون مثله : على أن يؤدي إلي ، أو يعطيني أو يجيء . الثالثة : إن أديت إلي ، أو إذا أو متى ، فهو شرط لا يعتق إلا بالأداء ، غير أنه نوع من القطاعة والكتابة ، ولهذا منعوه من البيع حتى يتلوم له الإمام ، فيؤدي أو يعجز ، وهو بالحقيقة يرجع إلى الجواب في قوله : على أن يدفع إلي ، أو على أن يؤدي ، هذا مذهب [ ص: 131 ] مالك ، ومذهب ابن القاسم عند الجمهور : أنها أربع ، لها أربعة أجوبة ، يوافق مالكا منها في الفصل الثالث والرابع من الخمسة المذكورة ، ويخالفه في الآخرين ، فيلزمه العتق في قوله : وعليك ، ولا يلزمه المال إذا كان بغير رضا العبد ، وإلا لزمه ، وأما : علي ، أن عليك ، فلا يلزمه مال ولا عتق إلا برضا العبد ، وقيل : هي ثلاثة مسائل عند ابن القاسم ، لها ثلاثة أجوبة ، وكل جواب قولان : الأولى ، وعليك ، له قولان ، ما تقدم عنه ، وله قول موافق لمالك .

                                                                                                                الثانية : على أن عليك ، أو على أن تدفع بهذا ، أن عند هذا القائل مسألة واحدة لابن القاسم فيها قولان ، فقال في : علي : ما تقدم ، وفي : علي أن تدفع ، يخير ، كقول مالك .

                                                                                                                الثالثة : على أن تؤدي إلي ، فلا يعتق إلا بالأداء اتفاقا ، وله أن لا يقبل ، وتذكر الخلاف مفصلا فتقول : المسألة الأولى : أنت حر ، وعليك ، ورضي العبد ، فيها ثلاثة أقوال : قول مالك : إلزام السيد العتق معجلا ، والعبد المال إن كان موسرا ، وإلا بقي دينا ، ومشهور ابن القاسم : إلزام العتق ، وإسقاط المال ، وقال عبد الملك : الخيار للعبد .

                                                                                                                المسألة الثانية : أنت حر ، على أن عليك ، فيها أربعة أقوال : إلزام العتق والمال ، يخير العبد ولا يعتق إلا بالأداء ، لابن القاسم ، إجبار العبد ، ولا يعتق حتى يدفع لأصبغ .

                                                                                                                المسألة الثالثة : أنت حر على أن تدفع إلي ، ثلاثة أقوال : يخير العبد فإن قبل فلا يعتق إلا بالأداء لمالك وابن القاسم ، ويخير العبد في الرضا بالعتق معجلا ، ويلتزم المال دينا ، ويرد فيرق لابن القاسم ، واختار العبد على المال بناء على إجباره على الكتابة .

                                                                                                                المسألة الرابعة : على أن يؤدي إلي ، فلا يعتق إلا بالأداء . وله الرد .

                                                                                                                المسألة الخامسة : إن أديت ، أو أعطيت وجئتني ، فظاهره أنه مثل : [ ص: 132 ] على أن يدفع ، وعلى أن يؤدي ، فلا يلزم العتق إلا برضاه ودفعه ، وله الرد ، قال ابن يونس : أنت حر وعليك ألف ، إتباعه بالمال عند مالك ، وهو قول أصحابه وأهل المدينة ، وكأنه باعه نفسه وهو كاره فيلزمه ، كما يزوجه كارها ، وينتزع ماله كارها ، وكما يلزمه ذلك بغير حرية ، وابن القاسم يرى أنه من باب الاستسعاء بعد الحرية ، وملخص قول مالك وابن القاسم في قولي : أنت حر الساعة ، وعليك ، وعلي ، أن عليك مائة ، أو على أن تدفع ، يعتق الساعة ، وتدفع وإن كره ، وكذلك إذا لم يقل : الساعة ، وأما على أن يدفع فهو بالخيار ، ولا يعتق إلا بالدفع ، لأنه جعل له دفعا وكسبا ، واختيار الخلاف ، وعليك إلزام بغير اختيار ، قال اللخمي : إذا قبل العبد العتق في قوله : أنت حر على أن تدفع إلي ، حيل بين السيد ومال العبد وخراجه ، وقال عبد الملك في : إن جئتني بمائة إلى سنة ، له بيعه إلا أن يقيم بيده حتى يأتي بالمائة ، وفي المنتقى : إن اشترط عليه عملا ، نحو : أنت حر على أن تخدمني سنة : قال ابن القاسم : ذلك عليه إن كان قبل العتق ، ولا يلزمه إن كان بعده ، وأنت حر على أن لا تفارقني : قال محمد : لا يلزمه ، لأنه اشترط شيئا من الرق بعد العتق ، فينفذ العتق ويبطل الشرط ، لأن العتق مبني على التغليب والسراية والعمل ، بخلاف المال ، لأن المال في الذمة ليس من أحكام الرق ، لأن الديون على الأحرار أكثر من العبيد ، وإن قال لها : أنت حرة على أن تسلمي ، قال أصبغ : إن امتنعت لا عتق لها ، كقوله : إن شيئت ، وليس كقوله : أنت حرة على أن تنكحي فلانا ، فيمتنع فيمضي العتق ، والفرق : أنها إن رضيت بنفس العتق تكون مسلمة ، كقوله : علي ، أن عليك مائة ، والنكاح اشترط عمل بعد العتق ، لأنه يطول .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية