الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الرابع . في الكتاب : إذا أعتقه وله على السيد دين رجع عليه ، إلا أن يستثنيه [ ص: 98 ] السيد ، أو يستثني ماله ، لأن العبد يتبعه ما له في العتق ، قال ربيعة : علم السيد بمال العبد أم لا ، قال أبو الزناد : تنفعه بماله في العتق سرية أولدها بإذن السيد أو لا ، وولدها منه رق للسيد ، وإن كان بعض العبد حرا ليس لمالك بقيته انتزاع ماله ، ويوقف بيده ، وله بيع حصته ، ويحل المبتاع في المال محل البائع ، وإن مات فالمال للمتمسك بالرق خاصة ، لأنه لا يورث حتى تتم حريته ، وقال الأئمة : إن أعتق العبد فماله لسيده . لنا : ما رواه أحمد وغيره : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من أعتق عبدا وله مال ، فالمال للعبد إلا أن يشترطه السيد ) خرجه صاحب الاستذكار ، ورواه ابن وهب ، لأنه قاله ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهما - ، وقال : وقول الصحابي حجة ، ولأن المكاتب إذا كوتب تبعه ماله ، وإن لم يشترطه ، والكتابة سبب العتق ، والعتق أولى ، ولأنه يخرج من ملك لحاجة ، فمن المناسب أن يتبعه ماله سدا لخلته . احتجوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أيما رجل أعتق عبده أو غلامه ولم يخبره بماله ، فماله لسيده ) ولأن العبد وماله كانا للسيد فيستصحب ملكه ، وعن الثالث : الفرق بأنه في البيع خرج من غنى نفقة سيد إلى غنى نفقة سيد ، فلا حاجة للمال ، وفي العتق خرج من غنى إلى فقر ، قال ابن يونس : إذا كان العبد بينكما لا ينتزعان ماله إلا باجتماعكما ، ولا يجوز لأحدكما بيع حصته إلا أن يشترط المبتاع ماله ، كعبد بعضه حر ، إلا أن يبيعه من شريكك ، قاله سحنون ، وإذا أذن أحدكما لشريكه في أخذ حصته من المال وأبقى الآخر حصته جاز ، وإن باعه واستثنى المبتاع ماله بينكما نصفان ، لا يحاص هذا بما زاد المال في ثمنه ، لأنه لا حصة له من الثمن ، قال اللخمي : اختلف قول ابن [ ص: 99 ] القاسم في دين العبد ، ففي كتاب المكاتب : إذا كاتب عبده على أن يسلفه ، أن ذلك ليس بسلف ، بل انتزاع ووعد بالإعادة ، والمعتق بعضه إذا باع المالك حصته واستثنى نصف ماله : قال مالك لم يجز ورد البيع ، إلا أن يسقط شرطه أو يرضى العبد به ، لأنه ماله أعطاه لسيده ويفسد البيع ، ولو كان موقوفا حتى يسأل عن الحكم لفسد البيع أيضا ، وأما منافعه : فيخدم السيد يوما له ، أو على ما يتراضيان من عدد الأيام إلى خمسة أيام ، وأجاز ابن عبد الحكم شهرا لشهر ، وإن كان عبدا حازه ، اقتسما الأجرة بخلاف ما يكسبه من غير خراجه ، وللسيد أن يقول : يعمل لي يوما بيوم أو أجرة في يوم في تلك الصنعة ، ويأخذ السيد نصف ما يحصله في منجز القراض من ربح ، وإن تجر بمال لنفسه لم يأخذ لأن الأول منافعه ، والثاني من ماله ، وإن قال السيد : أجرك يومي فله ذلك ، فإن أحب السفر به فله ذلك في القريب ، وإن كان بعيدا كتب القاضي كتبا بشهوده من العمل الذي يذهب إليه إن خاف البيع أو الظلم هناك ، وإن كان سيده غير مأمون منع من الخروج به ، وقال أشهب : يخرج به وإن لم يكن مأمونا لأنه شريك معه في نفسه ، وليس لأحد الشريكين السفر بالعبد دون رضا الآخر لأنه ملكه لا يتصرف فيه إلا بإذنه ، وإذا سافر سيد العبد به ورجع لم يحاسبه بشيء ، وقال أصبغ : يرجع على سيده بأجرة مثله وحريته ، قال : وهذا أشبه ، إلا أن يكون ذلك لصنعة يعملها في الحاضرة ولا توفي إجازة ، فلا يكون له أن يخرج به إلا أن يغرم نصف الذي يحصله في حضرة ، ولا يتبع المعتق ولده لأنه عبد حر مثله ، قاله مالك في الموطأ ، قال اللخمي : والمعتق بعضه ماله بيده فينفق منه ويكتسي ، لأنه شركة بينهما ، والنفقة والسكوت مفصوصة عليهما ، وإن لم يكن له مال أنفق السيد النصف ، ونظر العبد لنفسه في النصف ، وكذلك الكسوة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية