الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الخاصية الخامسة : القرعة ومحلها ، وفي الكتاب : إذا أوصى بعتق عبيده أو بتلفهم في المرض ، ثم مات عتقوا إن حمله الثلث ، وإلا تبلغه بالقرعة وإن لم يدع غيرهم قبلهم بالقرعة ، وقاله ( ش ) وابن حنبل ، وقال ( ح ) : لا تجوز القرعة في الأولى ، ويعتق من كل واحد ثلثه ، ويسعى في باقي قيمته للورثة حتى يؤديها فيعتق .

                                                                                                                لنا : ما في الموطأ : ( أن رجلا أعتق عبيدا له عند موته ، فأسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعتق ثلث العبيد ) قال مالك : وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم ، وفي غير الموطأ من الصحاح : ( أعتق ستة ممالك في مرضه ، لا مال له غيرهم ، فدعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم فأقرع بينهم ، وأعتق اثنين ورق أربع ) . ولأن الإجماع في حصر التابعين عليه عن عمر بن عبد العزيز ، وخارجة بن زيد ، وأبان بن عثمان ، وابن سيرين ، وغيرهم ، ولم يخالفهم من حصرهم أحد ، ووافقنا ( ح ) في القرعة في قسمة [ ص: 171 ] الأرض لعدم المرجح ، وهو هاهنا ، ولأن في الاستسعاء ضررا على العبيد بالإلزام ، وعلى الورثة بتأخير الحق وتعجيل حق الموصى له ، والقواعد تقتضي تقديم حق الوارث ، لأن له الثلثين ، ولأن مقصود الموصي كمال العتق في العبد ليتفرغ للطاعات والكسب ، وتجزئة العتق تمنع من ذلك ، وقد لا يحصل الكمال أبدا . احتجوا : بقول النبي - - صلى الله عليه وسلم - : ( لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم ) واحد جاز ، والبيع يلحقه الفسخ ، والعتق لا يلحقه الفسخ فأولى لعدم القرعة ، لأن فيها تحويل العتق ، ولأنه لو كان مالكا لثلثهم فأعتقه لم يجمع ذلك في اثنين منهم ، والمريض لم يملكه غير الثلث فلا يجمع ، لأنه لا فرق بين منع التصرف وعدم الملك في نفوذ العتق ، ولأن القرعة في جميع الحقوق إنما تدخل فيما يجوز التراضي عليه ، لأن الحديث حال الصحة لما لم يجز التراضي على إسقاطها لم تدخل القرعة فيها ، وقسمة الأموال يجوز التراضي فيها فدخلت القرعة فيها .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن العتق ما وقع إلا فيما يملك ، وما قال : العتق في كل ما يملكه ، فإذا نفذ العتق في عبدين ، وقع العتق فيما يملك .

                                                                                                                وعن الثاني : أنه قضية في عين ، لتمهيد قاعدة كلية كالرحم وغيره ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( حكمي على الواحد ، كحكمي على الجماعة ) .

                                                                                                                وعن الثالث : لو كان العتق شائعا لبطلت القرعة ، واتفاقهم في القيمة ، [ ص: 172 ] أو اثنين سهم ليس متعذرا عادة ، لا سيما الجلب ، ووخش الرقيق .

                                                                                                                وعن الرابع : أن الميسر هو القمار ، وميسر الحقوق ليس قمارا وقد أقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أزواجه وغيرهم ، واستعملت القرعة في شرائع الأنبياء عليهم السلام لقوله تعالى : ( فساهم فكان من المدحضين ) و ( إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) وليس فيها نقل الحديث ، لأن عتق المريض لم يتحقق لأنه إن صح عتق الجميع ، وإن طرأت ديون بطل ، وإن مات وهو يخرج من الثلث ، عتق الثلث ، فلم يقع في علم الله تعالى من العتق إلا ما أخرجته القرعة .

                                                                                                                وعن الخامس : الفرق : بأن مقصود الهبة والوصية : التمليك ، وهو حاصل في الملك الشائع كغيره ، ومقصود العتق : التخليص للطاعات والاكتساب ، ولا يحصل مع التبعيض ، ولأن المالك شائعا لا يؤخر حق الوارث ، وها هنا يتأخر بالاستسعاء .

                                                                                                                وعن السادس : أن البيع لا ضرر فيه على الوارث كما تقدم الوصية ، ولا تحويل للعتق كما تقدم .

                                                                                                                وعن السابع : أنه إذا ملك الثلث فقط ، لم يحصل تنازع في العتق ، ولا جريان من تناوله لفظ العتق .

                                                                                                                وعن الثامن : أن الوارث لو رضي تنفيذ عتق الجميع فهو يدخله الرضا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية