الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الثالث : المكاتب ، وفي الجواهر : شرطه أن يكون مكلفا ، أهلا للتصرف ; لأنها عقد ، ولا يشترط أهلية التبرع ; لأنه لم يتعين بل ربما أخذ أضعاف قيمة العبد وهو الغالب .

                                                                                                                وفي الركن ستة فروع :

                                                                                                                الأول : في الكتاب : إذا كاتب الشريكان معا امتنعت مقاطعة أحدهما على حصته إلا بإذن شريكه ; لأنه تصرف في المال المشترك فإن أذن له فقاطعه من عشرين مؤجلة في حصته على عشرة معجلة ، ثم عجز المكاتب قبل أن يقبض هذا مثل ما أخذ المقاطع خير المقاطع بين أن يؤدي لشريكه ما أخذ ويبقى العبد بينهما ، أو يسلم حصته من العبد إليه رقيقا ، وإن مات مكاتب عن مال فللآخر أن يأخذ منه جميع ما بقي له من الكتابة بغير حطيطة حلت أم لا ; لأن الموت يوجب الحلول والمالك ماله بينهما على قدر حصتهما في المكاتبة لأنه مات رقيقا ، وإن حل نجم فقال : آتوني به وخذ المستقبل ففعل ، ثم عجز عن النجم الثاني رددت نصف ما قبضت ; لأنه سلف منه لك ويبقى العبد بينكما ، ولا خيار للمقتضي بخلاف القطاعة ، وهو كالمال منجم بدأ أحدهما بنجم على أن يأخذ الآخر النجم الثاني ، ففلس الغريم في الثاني رجع على صاحبه ، وإن أخذ أحدهما من المكاتب جميع حقه بعد محله بإذن صاحبه وأخذه صاحبه ، ثم عجز المكاتب فلا رجوع للذي أخره على المقتضي ، ويعود العبد بينهما ، كقبض أحدهما من غريمهما حظه بعد محله وأخذه الآخر ، ثم فلس الغريم فلا رجوع على المقتضي بشيء ; لأنه لم يسلفه شيئا بل أغر غريمه ، وإن تعجل أحدهما جميع حقه من النجوم قبل محله بإذن شريكه ، ثم عجز المكاتب عن نصيب [ ص: 259 ] شريكه فهذا يشبه القطاعة ، وقيل : كالقطاعة وبعد ذلك سلفا من المكاتب المعجل ، والقطاعة التي أذن فيها أحدهما لصاحبه كالبيع ; لأنه باع حظه على ما تعجل منه ، ورأى أن ما قبض أفضل له من حظه في العبد إن عجز ، قال ربيعة : قطاعة الشريك بخلاف عتقه لنصيبه ، بل كشراء العبد نفسه .

                                                                                                                في التنبيهات : إنما قال في المقاطع بإذن شريكه إن أحب أن يرد ما أخذ ، ويكون العبد بينهما قائما يرد ما أخذ حتى يساوى مع الذي لم يقاطع ، ولو كان الآخر قبض أقل مما قاطع الآخر فإنه يرد عليه بقدر ما يشتري معه وهو نصف ما فضل به .

                                                                                                                في النكت : إذا قاطعه بإذن شريكه ، ثم قبل المكاتب قبل أن يؤدي الشريك الآخر فهو مثل عجزه لا كموته ; لأن القيمة المأخوذة من القاتل عوض من رقبته ، فإن حصل من قيمته مثل ما قبضه المقاطع فلا مقام لمن يقاطع أو أقل أو أكثر فهو كما قاله في الكتاب في عجزه ، قال ابن يونس : قال محمد : إن قاطعه على عرض أو حيوان من العشرين التي له نظر إلى قيمة ذلك نقدا يوم قبضه ، ثم رد فضلا إن كان وأخذ حصته من العبد ، وإن قاطعه على مثلي رد مثله ورد الآخر كل ما قبض يكون بينهما نصفين مع رقبة العبد إلا أن يشاء أن يتماسك بما قاطعه به ، ويسلم حصته ، وإذا قاطعه بإذن شريكه فاقتضى المتمسك أكثر مما أخذ المقاطع أو مثله ثم عجز المكاتب لم يرجع المقاطع على المستمسك بشيء مما عنده من الفضل ، ولو لم يأخذ المقاطع جميع ما قاطعه عليه حتى مات ، ولم يترك إلا أقل مما بقي عليه من الكتابة تحاصا فيه جميعا بما بقي من القطاعة والكتابة فإن لم يقبض المقاطع شيئا ، وقبض الذي لم يقاطع ثم عجز قبل أن قبض الذي لم يقاطع عند حلول كل نجم فلا رجوع للمقاطع عليه ; لأنه رضي بتأخير المكاتب وترك لصاحبه ما أخذ ، وإن تعجل قبل الحلول أخذ المقاطع نصف ما اقتضى ، قال ابن يونس : وأرى إن اقتضى نجما مما حل عليه فللمقاطع محاصته فيه بقدر ما قاطعه ، والمتمسك بقدر النجم المحال ; لأنه حل لهما فيتحاصان فيه بقدر ما حل لكل واحد ، وإن عجله قبل محله فللمقاطع أن يأخذ منه قدر ما قاطعه عليه وما [ ص: 260 ] فضل للمتمسك ; لأن حق المقاطع قد حل وحق الآخذ لم يحل فتعجيله هبة ، للمقاطع رده ، وهذا لم يكن له مال غيره ولا أخذ المقاطع منه حقه ، وتم للآخر ما عجل له فإن قاطعه بغير إذن شريكه وعلم بذلك قبل عجز المكاتب وموته ما قبضه المقاطع بينهما ، إلا أن يسلمه له شريكه ، ويتمسك بالكتابة فيصير كأنه قاطعه بإذنه ، فإن لم يرض فله نصف ما أخذ المقاطع ; لأن العبد وماله بينهما ، فليس لأحدهما أن يأخذ منه شيئا إلا بإذن شريكه ، ولذلك امتنعت المقاطعة إلا بإذنه ، قال محمد : فإن قاطعه بغير إذن شريكه ثم عجز المكاتب أو مات وقد استوفى المتمسك مثل ما أخذ المقاطع أو ترك الميت ما يأخذ الآخر منه ما بقي له أو مثل ما أخذ فلا حجة للمتمسك قاله ابن القاسم وأشهب ، واختلف إذا حجز ولم يأخذ المتمسك إلا أقل مما أخذ المقاطع ، فخير ابن القاسم المتمسك بين الرجوع على البائع بنصف ما فضله به ، ويكون العبد بينهما ، أو يتماسك بالعبد ، ولا يكون للمقاطع نصف رد الفضل وأخذ نصيبه في العبد بخلاف المقاطع بإذن شريكه ، ورواه عن مالك ، وقال أشهب : إذا تماسك هذا بالعبد رجع الخيار لمقاطعه فله رد نصف الفضل وله نصف العبد ، قال مالك : إن قاطع المكاتب أحدهما على نصف نصيبه على مائة والمكاتبة ثمانمائة ، وأبقى الربع الآخر مكاتبا بإذن شريكه جاز ، فإن عجز قبل أن يستوفي المتمسك شيئا : خير المقاطع بين رد نصف ما قاطع به على شريكه ويبقى العبد بينهما ويبقى له ربع العبد ، وللآخر ثلاثة أرباعه ، فإن قبض منه المتمسك مثل ما أخذ المقاطع وذلك مائة خير المقاطع في عجزه بين سلامة ما أخذ المتمسك وله نصف العبد ، ويأخذ ثلث المائة وله ربع العبد ، وللآخر ثلاثة أرباعه ، وكذلك إن قبض المتمسك مائتين فللمقاطع ثلثها وربع العبد ، ويأخذ خمسين نصف ما فضله به فيستويان في الأخذ ، ويكون العبد بينهما نصفين ، فإن قبض المتمسك ثلاثمائة أخذ منه المقاطع ما بقي لهما من العبد مكاتبا ، وبقي العبد بينهما نصفين لاستوائهما في الأخذ ، وإنما خير المقاطع إذا قبض مائتين فأقل ; لأنه لم يقبض غير ما [ ص: 261 ] قاطع عليه وحقه أن يأخذ الثلث من كل ما يقتضي ; لأن له ربع العبد المكاتب ، ولشريكه نصفه فإن شاء أخذ ذلك وله التمسك بما قبض وله ربع العبد ، أو يرد ما فضل به صاحبه ، ويكون له نصف العبد قاله محمد ، قال ابن يونس : ينبغي إذا عجز قبل أن يستوفي المتمسك أن يخير المقاطع لشريكه نصف ما فضله به ، ويبقى العبد بينهما أو يبقى له ثلث العبد ، وللآخر ثلثاه ; لأنه أبقى ربع العبد مكاتبا ، وللآخر نصفه مكاتبا فله مثل ما له فيكون بينهما أثلاثا ، كما لو كان من ثلاثة لواحد نصفه ، وللآخر الربع فيقاطعه صاحب الربع بإذن شريكه ثم عجز العبد قبل قبض المتمسك شيئا ، خير المقاطع بين أن يدفع لشريكه ما فضلهما به ، ويبقى العبد بينهما كما كان أو يبقى العبد بين شريكه أثلاثا : لصاحب الربع ثلثه ، ولصاحب النصف ثلثاه ، وكذلك إن كان بينهما فقاطع أحدهما نصف نصيبه ، لأن المقاطع لما رضي بما قاطعه به فقد سلم ذلك الربيع لشريكه ، لأنه أخذ عوضه ، قال محمد : فإن قاطعه أحدهما بإذن شريكه من الأربعمائة حصته على مائة ثم زاد الآخر في النجوم على أن يزيده المكاتب على حصته مائة ، ورضي شريكه جاز ولا يجوز على ما بين سحنون ; لأنه لم يتعجل عتقه ، قال محمد : فإن عجز قبل أن يأخذ المزاد شيئا خير المقاطع بين نصف ما فضله به ويكون العبد بينهما ، أو يتماسك ويسلم العبد ، وإن قبض المزاد مثل ما أخذ المقاطع وأخذ جميع حقه الأول بلا زيادة ، بقي العبد بينهما نصفين ، وإن قبض أكثر الزيادة رد نصف ذلك للمقاطع ، وبقي العبد بينهما نصفين فإن مات العبد قبل أن يأخذ المزاد شيئا وترك مالا فليأخذ منه المزاد جميع ما له عليه من حقه الأول ، والزيادة والفاضل بينهما نصفان ، وإن لم يترك شيئا لم يرجع المزاد على المقاطع بشيء فإن قتل العبد قال أبو عمران : قيمته مثل تركته لا كرقبته ; لأنها مال ومن جنس ما أخذ المقاطع ، والرقبة تقع الرغبة فيها فلذلك خيرناه ، وقيل هي كالرقبة فإن كان فيها مثل ما أخذ المقاطع أخذه [ ص: 262 ] المتمسك أو أقل أو أكثر ، فكالجواب في عجزه ، قال : والأول أصوب ، فالمكاتبان يقتل أحدهما فقيمته كرقبته ، وإن كان المكاتب بين ثلاثة : قاطع أحدهما بإذن صاحبه ، وتمسك الثاني ، ووضع الثالث ثم عجز العبد قال ابن القاسم : إن رد المقاطع نصف ما قاطع للمتمسك فالعبد بين الثلاثة بالسواء ، وإن أبى فهو بين المتمسك والواضع نصفين ; لأن المتماسك أحل أخذه ، والواضع وضع حقه من المال دون الرقبة ; لأن العبد لو أدى لم يكن له منه شيء وإن لم يقاطع ، وإن عجز فهو على حقه من الرقبة ، وإذا حل نجم فغلب بدأبه ، وخذ المستقبل فعجز أو مات قبل حلول الثاني عليه لا يرد نصف ما قبضت ، قاله مالك ، فإن حل الباقي قبل عجزه فتعذر عليه ، وانتظر لما يرجى له فعلى الشريك أن يعجز لشريكه سلفه ، ويتبعان جميعا المكاتب بالنجم الثاني ، وعن ابن القاسم : إذا تقدمه بنجم فحل نجم بعده ، فقال له : تقاص أنت وأنا ، واقض ما أسلفتك فليس ذلك عليه ، ولا له قبله شيء إلا أن يعجز المكاتب فلو حل عليه نجم ولم يحل إلا نصفه ، فقلت ائتوني وانظرأنت المكاتب أو سأله المكاتب ذلك فهو انتظار في الوجهين ، ولا يرجع عليك إن مات أو عجز ، ويكون العبد بينكما إذا لم يكن فيما جاء به زيادة على حق أحدهما فإن كانت فيه زيادة فأخذتها بإذن الشريك ، واشترطت إنظار المكاتب لم يلزم ذلك في الزيادة ; لأنها الذي لم يقتض ، وهي محال بها فيما لم يحل فإن لم يدفعها المكاتب رجع بها الشريك ، وإنما الإنظار فيما يحل ، وإن سأل المكاتب أحدكما قبل محل في التأخير بحصته كلها حتى يتم اقتضاء الآخر فرضي لزمه بخلاف ما أحضره [ ص: 263 ] المكاتب ; لأنه بإحضاره وجب لهما ، قال اللخمي : إن كانت القطاعة على عشرين فقبض عشرة فعجز العبد فهو كمن قاطع على نصف نصيبه ، واختلف فيه ، فقيل : يخير الأول بين رد خمسة ، ويبقى العبد بينهما نصفين أو لا يرد ويكون له من العبد ربعه ، وللمتمسك ثلاثة أرباعه ، وقيل : الربع بينهما أثلاثا ، مفضوضا على ما بقي لكل واحد منه ، وإن قاطعته على عشرين نقدا والآخر قاطعه على مائة إلى أجل ، وتراضيتما بذلك جاز ، قال محمد : إذا كانت زيادة الثاني بعد قبض الأول ; لأنه ليس له أن يضعفه حتى يستوفي الأول فإن عجز قبل قبض الثاني شيئا قيل للأول : إن شئت فرد لشريكك نصف ما عندكم من الزائد ويكون بينهما وإن قبض أكثر مما قبض ، وإن قبض الزيادة التي زادها فعليه رد نصف الزيادة ، قال : والقياس أن تختص بها ; لأنها ثمن لذلك التأخير ، قال : وأما قول ابن المواز : ليس له أن يضعفه حتى يستوفي الأول فغلط ; لأن الثاني أخره عن الأجل فكيف يقبض الثاني قبل الأول ، وإن أخذ الأول نصيبه وهو عشرون فمات المكاتب عن غير شيء فلا رجوع للثاني عن الأول ، فإن خلف ما لا حل عليه بالموت وما فضل بينهما نصفان ، وإن لم يأخذ الأول شيئا فما خلف بينهما أسباعا ، والفاضل عن الحقين بينهما نصفان بخلاف المعتق ، فإن التركة للمتمسك بالرق ، وإذا عجل المكاتب قبل الحلول نصيب أحدكما من الكتابة فرضي الآخر : قال ابن القاسم : هو كالقطاعة ، إن شاء تمسك بما قبض وله نصف العبد ، وقيل : سلف من العبد فله الرجوع على شريكه فكلما عجز عن نجم رجع بقدره ، فإن عجز ورق لم يرجع إلا على النجوم ; لأنه رضي .

                                                                                                                الثاني : تمتنع كتابة المأذون وعتقه إلا بإذن سيده ; لأنه محجور عليه إلا في المتجر الذي أذن له فيه فإن فعل بإذنه وعلى المأذون دين يغترق ماله امتنع إلا [ ص: 264 ] بإذن الغرماء ; لأن ما له لهم ، وكتابته نوع من العتق إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت كفاف الدين ، أو لقيمة الرقبة فتباع الكتابة للغرماء فيعجل بها إن شاء ، وكذلك المديان الحر يكاتب ، قال ابن يونس : الفرق بين المأذون وبين الوصي يكاتب عبد من يلي عليه : أن الوصي أقيم مقام الأب ، والمأذون لم يقم مقام السيد ، بل أذن له في المتجر ، وسوى أشهب بينهما وبين المكاتب تغليبا للتجارة ، ومنع مقال الغرماء ، وجوز مكاتبة الحر المديان من غير محاباة وإن كره الغرماء ، واختلف في المريض فعكسا قوليهما ، ومنعها سحنون فإن كاتب المديان وعلى العبد جناية قبل الكتابة فقيم عليه ، فقال العبد : أؤدي عقل الجناية والدين ، وأثبت على الكتابة ، قال مالك : ذلك له ، قال أبو عمران الفاسي : ويحاسب سيده في الكتابة ولم يكن للمكاتب منه شيء بل تباع كتابته بالدين ، ولا يحاسب بالجناية ; لأنها لو طرأت لم يكن على السيد منها شيء ، ويقوم بها المكاتب أو يعجز ، قال ابن القاسم : إن كاتبها المديان فولدت من غيره فللغرماء فسخ الكتابة ، ويرقها الدين وولدها إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت مثل الدين أو قيمة رقبتها فتباع الكتابة فإن فلس السيد بدين لحقه بعد ، بيعت الكتابة ولا شيء للغرماء غير الكتابة وإن كثر الدين .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية