الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع في الكتاب : لا يحلف في دعوى الكفالة حتى تثبت الخلطة ، وإذا بعت من [ ص: 48 ] رجلين فقبضت من أحدهما حصته ، ثم لقيت الآخر فقال : دفعت لصاحبي ليدفع لك ، فأنكر صاحبه ، فأردت تحليفه فليس هذه خلطة توجب اليمين ، وإذا ادعيت دينا أو غصبا أو استهلاكا فإن عرفت بينكما مخالطة في معاملة ، أو علمت تهمته فيما ادعيت عليه من التعدي ، نظر فيه الإمام ، فإما أحلفه أو أخذ له كفيلا حتى يأتي بالبينة ، وإن لم تعلم خلطته ولا تهمته لم يتعرض له ، ولا يحلف أحد حتى تثبت الخلطة . في التنبيهات : قوله في الكفالة : حتى تثبت الخلطة ، قيل : بين المدعي والكفيل ، ولا تراعى خلطة الكفيل مع المكفول وقيل : تراعى بين الكفيل والمكفول لا غير ، وهو أظهر ، لأنه إنما يتكفل الرجل بمن يشفق عليه ، وقد يتكفل بخصمه وعدوه مراعاة ، وقوله : نظر فيه الإمام ، قيل : جعل الكفالة في الغصب والتعدي ، وليس موضعها ، وقيل : ظاهره : أخذ الكفيل بمجرد الدعوى ، قال : ويحتمل أن معنى الكفيل هاهنا : الموكل به ، وهو الأظهر ، وفي النكت : قال غير واحد من القرويين : إنما تراعى الخلطة فيما يتعلق بالذمم دون المعينات ، ومسائل المدونة في المعينات تشهد لك وقيل : المعينات أيضا إلا في مثل أن تعرض سلعتك في السوق فيدعي آخر أنك بعته إياها ، قال : وهو أبين عندي ، لأن الخلطة اشترطت لدفع المضرة ، قال بعض القرويين : إذا باعه بنسيئة فهو خلطة ، وأما بالنقد فحتى تبايعه مرارا ، قال ابن يونس : قال مالك : إذا قدح في البينة بعداوة أو غيرها لا يحلف المدعى عليه ، وقيل : يحلف ، لأنها لطخ ، قال أشهب : لا يحلف في تعارض البينات ، وإذا انقضت خلطتكما لم يحلف إلا بخلطة مؤتنفة ، والذي قال : إنه دفع لصاحبه ، إنما لم يجعل ذلك خلطة ، لأنك إنما قلت : إن المشتري معك قال : إنه دفع لك ما عليه ، وهذا لم يثبت ، ولو ثبت لم يكن خلطة ، وفي الموازية : هذا خلطة ، والمعتبر في دعوى الكفالة الخلطة بينك [ ص: 49 ] وبين الكفيل دون من عليه الدين ، لأنك إنما وثقت بالمعاملة للكفيل ، فلك تحليفه ، قال اللخمي : لا يحلف المدعى عليه إلا بخلطة أو بينة أو دليل ، وذلك يختلف باختلاف الدعوى . فأما الدين : فاختلف هل تتوجه اليمين بالخلطة ، أو دعوى الشبهة ؟ وأما بيع النفد ، والدعوى في المعين ، والصناع ، والودائع ، والغصب ، والتعدي ، والجراح ، فالمراعى : دعوى الشبهة ، وهي أن يشبه أن يدعي مثله على مثله ، قال : وأرى أن الدعوى إذا كانت من الرجل الصالح لا تكذب غالبا ، أن تكفي السنة في الدين وغيره ، وإلا فلا ، فلا بد من الخلطة والشبهة من ثلاثة أوجه : المدعي والمدعى عليه والمدعى فيه ، وقول ابن القاسم في دعوى الكفالة : لا بد من الخلطة : يريد مؤاخاة تقتضي الإحسان بذلك لا المداينة ، لأن الكفالة إحسان ، وفي دعوى الهبة قولان : يحلف إذا كان بينهما مؤاخاة ، ولا يحلف ، ويراعى في الكفالة من شأنه التوثق منه حين المداينة ، فإن كان موسرا ، ثم أعسر لم تقبل دعوى الكفالة ، ويراعى في الصانع أن يكون ذلك لباسه أو لباس وإلا فلا يحلف ، وفي الوديعة ثلاثة : أن يملك مثل ذلك في جنسه وقدره ، وأن يكون هناك ما يوجب الإيداع والمدعى عليه ممن يصلح لذلك ، فالمقيم لا يخرج ماله من داره لودعه ، والطارئ يودع مع الإقامة ، ودعوى الغصب والتعدي فيها إقرار بملك المدعي مثل ذلك ، والمدعى عليه يشبه منه ذلك الفعل ، وفي دعوى الرسالة لا بد أن يثبت أن الغائب ادعى الإرسال معه بشاهد أو بكتاب يثبت أنه من قبله ، أو سماع بين ، ويشبه أن الغائب يرسل مع هذا مثل هذا ، أو الرسالة ملك للمرسل إليه أو وكيلا مفوضا إليه وإلا لم يحلفه ، لأنه لم يوكل على الخصومة ولا على اليمين ، وإن ادعى أن العبد أبق منه ، وهو في يدك ، وأنتما من بلد واحد ، فلا بد من لطخ أنه ملكه ، وإن كان أحدهما طارئا ، لم يحلف أحدهما للآخر ، لأن الطارئ إن ادعى فهو لا يعلم أن المقيم عرف ذلك ، أو المقيم لم يعلم أن الطارئ يعرف ذلك ، فإن أقام شاهدا حلف معه ، وإن نكل لم [ ص: 50 ] يرد اليمين لعدم علم الآخر بكذب الشاهد ، وله إيقافه اليوم ونحوه حتى يبينه ، وإن أتى بلطخ سماع أو شاهد فالوقف أقوى في الشهر ونحوه ، فإن لم يثبت ، سلم لمن كان بيده بعد يمينه إذا أشبه أن يكون عنده من ذلك علم ، وإن لم يكونا من بلد سلم إليه من غير يمين .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية