[ ص: 113 ] كتاب الأشربة
في الكتاب :
nindex.php?page=treesubj&link=17208ما أسكر كثيره فقليله حرام ، من خمر أو نبيذ أو زبيب أو تمر أو تين أو حنطة ، أو غير ذلك ، وقاله ( ش )
nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل ، وقال ( ح ) : يحرم أربعة أشربة :
nindex.php?page=treesubj&link=17229عصير العنب إذا غلى واشتد ،
nindex.php?page=treesubj&link=17236والعصير إذا طبخ فذهب أقل من ثلثه ، وهي الطلاء ، وكذلك لو ذهب نصفه ، ودخلته الشدة ، ويسمى المنصف ، والثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=17221نقيع الرطب المشتد ، والرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=17238نقيع الزبيب المشتد إذا غلى ، وأباح هذه الثلاثة غيره ، ويختص عنده دون الخمر بعدم الحد في قليلها ، وخفة نجاستها ، وجواز بيعها ، وتضمينها بالقيمة دون المثل ، ويباح عنده ما يتخذ من الحنطة والشعير والعسل والذرة ، ولا يحد شاربه وإن سكر ، وقال أيضا : نبيذ التمر والزبيب إذا طبخ حلال وإن اشتد إذا شرب ما يغلب على ظنه عدم السكر ، وخصص اسم الخمر بما يعتصر من العنب ، ولا يندرج غيره في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90إنما الخمر ) إلى قوله : ( فاجتنبوه ) ( المائدة : 90 ) ونحن عندنا اسم الخمر لما خامر العقل أي غطاه ، ومنه : تخمير الآنية ، وخمار المرأة . قال صاحب القبس : والعجب من الحنفية في ذلك ، والصحابة رضوان الله عليهم لما
[ ص: 114 ] حرمت عليهم الخمر أراقوها ، وكسروا دنانها ، وبادروا إلى امتثال الأمر مع أنه ليس عندهم
بالمدينة عصير عنب ، بل نبيذ التمر ، وقال ( ح ) : لو جعل السيف على رأسي أن أشرب النبيذ ما شربته ، ولو وضع السيف على رأسي أن أحرمه ما حرمته ; لأن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يشربونه . قال : وليس كما قال ، ما شربه أحد منهم . إنما الثابت أنه - عليه السلام - كان ينتبذ له فيشرب ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=2004977ولعن - عليه السلام - في الخمر عشرة : عاصرها ، ومعتصرها ، وبائعها ، ومبتاعها ، والمبتاع لها ، وشاربها ، وساقيها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وشاهدها . قال : ويندرج في بائع الخمر
nindex.php?page=treesubj&link=17218بائع العنب لمن يعلم أنه يعصره خمرا إلا الذمي ، فمختلف فيه لاختلافهم في خطابهم بالفروع . قال : وما تعلق به أصحابنا من حديث
الترمذي من قوله ، عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349220ما أسكر كثيره فقليله حرام ) فليس بصحيح . احتج ( ح ) بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=67تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) ( النحل : 67 ) والامتنان إنما يكون بالمباح للمقدار المسكر من غيرها ، وبقي ما عداه على الأصل ، وقوله ، عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349221اشربوا ولا تسكروا ) .
[ ص: 115 ] والجواب عن الأول : أن السكر بفتح الكاف والتسكير في اللغة المنع ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=15إنما سكرت أبصارنا ) ( الحجر : 15 ) أي منعت وغلقت ، ومنه تسكير الباب أي غلقه ، فالآية تدل على أنها يتخذ منها ما يمنع الجوع والعطش والأمراض ، وذلك يتحقق بالتمر والرطب والخل والأنبذة قبل الشدة ، وهي حلال إجماعا ، فما تعين ما ذكرتموه . وعن الثاني : أن معناه اشربوا منه غير الذي يسكر كثيره ، لقوله في الحديث الآخر في مسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349222كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ) ويؤيده قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) ( المائدة : 90 ) ووجه الدليل والتمسك به من وجوه :
أحدها : عطف الميسر عليه ، وهو حرام ، والعطف يقتضي التسوية ، والمساوى بالحرام حرام .
الثاني : عطف الأنصاب عليه لما سبق .
الثالث : عطف الأزلام عليه لما تقدم .
الرابع : قوله : رجس ، والرجس : النجس لغة ، وهو يدل على نجاسة الجميع . خرجت الثلاثة عن النجاسة إجماعا ، بقي الحكم مستصحبا في الخمر ، فتكون نجسة فتحرم ، وهي كل ما خامر كثيره كما تقدم ، أو يقول : الرجس استعمل مجازا في البعد الشرعي ، والبعد شرعا محرم ، والأول أولى لدوران هذا البحث بين المجاز والتخصيص ، والتخصيص أولى لما علم في الأصول .
[ ص: 116 ] الخامس : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90من عمل الشيطان ) فإضافته إلى الشيطان تفيد التحريم في عرف الشرع .
السادس : قوله : ( فاجتنبوه ) والأمر محمول على الوجوب ، ولأن هذه الأشربة يسكر كثيرها ، فيحرم قليلها قياسا على محمل الإجماع ، وهو من أجل الأقيسة ، فقد اجتمعت الآثار ووجوب الاعتبار ، والعجب من الحنفية أنهم يقدمون القياس على النصوص ، وهاهنا رفضوا القياس المعضود بالنصوص المتضافرة في الكتاب والسنة الصحيحة في عدة مواضع ، ولا جرم قال ( ش ) : أحد الحنفي في النبيذ وأقبل شهادته ، وقال
مالك : أحده ولا أقبل شهادته .
قاعدة :
nindex.php?page=treesubj&link=17418المرقدات تغيب العقل ، ولا يحد شاربها ، ويحل قليلها إجماعا ، ولا ينجس قليلها ولا كثيرها ، ففارقت المسكرات في هذه الثلاثة الأحكام مع اشتراكها في إفساد العقل الذي هو سبب التحريم ، فما الفرق وبماذا ينضبط كل واحد منهما حتى يمتاز عن صاحبه ؟ فالضابط : أن مغيب العقل إن كان يحدث سرورا للنفس ، فهو المسكر ، وإلا فهو المرقد لقول الشاعر :
ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
وأما المرقد : فإما غيبته كلية كالأفيون ، أو يهيج من مزاج مستعمله ما هو غالب عليه من الأخلاط ، فتارة خوفا وتارة بكاء وغير ذلك ، وأما الفرق : فلأن المسكر لما أسر النفس توفرت الدواعي على تناوله تحصيلا للمسرة ، فزجر الشرع عنه بالحد والتنجيس ، والمرقد خسارة محضة وموت صرف ، فالدواعي منصرفة عنه ، فاكتفي في ذلك بالتعزير .
[ ص: 113 ] كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ
فِي الْكِتَابِ :
nindex.php?page=treesubj&link=17208مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ، مِنْ خَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ تِينٍ أَوْ حِنْطَةٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَقَالَهُ ( ش )
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَابْنُ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ ( ح ) : يَحْرُمُ أَرْبَعَةُ أَشْرِبَةٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=17229عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=17236وَالْعَصِيرُ إِذَا طُبِخَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَهِيَ الطِّلَاءُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ نِصْفُهُ ، وَدَخَلَتْهُ الشِّدَّةُ ، وَيُسَمَّى الْمُنَصَّفَ ، وَالثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=17221نَقِيعُ الرُّطَبِ الْمُشْتَدُّ ، وَالرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=17238نَقِيعُ الزَّبِيبِ الْمُشْتَدُّ إِذَا غَلَى ، وَأَبَاحَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ غَيْرُهُ ، وَيَخْتَصُّ عِنْدَهُ دُونَ الْخَمْرِ بِعَدَمِ الْحَدِّ فِي قَلِيلِهَا ، وَخِفَّةِ نَجَاسَتِهَا ، وَجَوَازِ بَيْعِهَا ، وَتَضْمِينِهَا بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ ، وَيُبَاحُ عِنْدَهُ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالذُّرَةِ ، وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ وَإِنْ سَكِرَ ، وَقَالَ أَيْضًا : نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا طُبِخَ حَلَالٌ وَإِنِ اشْتَدَّ إِذَا شَرِبَ مَا يَغْلُبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ السُّكْرِ ، وَخُصِّصَ اسْمُ الْخَمْرِ بِمَا يُعْتَصَرُ مِنَ الْعِنَبِ ، وَلَا يَنْدَرِجُ غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90إِنَّمَا الْخَمْرُ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( فَاجْتَنِبُوهُ ) ( الْمَائِدَةِ : 90 ) وَنَحْنُ عِنْدَنَا اسْمُ الْخَمْرِ لِمَا خَامَرَ الْعَقْلَ أَيْ غَطَّاهُ ، وَمِنْهُ : تَخْمِيرُ الْآنِيَةِ ، وَخِمَارُ الْمَرْأَةِ . قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ : وَالْعَجَبُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ ، وَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَمَّا
[ ص: 114 ] حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الْخَمْرُ أَرَاقُوهَا ، وَكَسَرُوا دِنَانَهَا ، وَبَادَرُوا إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ
بِالْمَدِينَةِ عَصِيرُ عِنَبٍ ، بَلْ نَبِيذُ التَّمْرِ ، وَقَالَ ( ح ) : لَوْ جُعِلَ السَّيْفُ عَلَى رَأْسِي أَنْ أَشْرَبَ النَّبِيذَ مَا شَرِبْتُهُ ، وَلَوْ وُضِعَ السَّيْفُ عَلَى رَأْسِي أَنْ أُحَرِّمَهُ مَا حَرَّمْتُهُ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَشْرَبُونَهُ . قَالَ : وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، مَا شَرِبَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ . إِنَّمَا الثَّابِتُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُنْتَبَذُ لَهُ فَيَشْرَبُ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=2004977وَلَعَنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً : عَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَمُبْتَاعَهَا ، وَالْمُبْتَاعَ لَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَسَاقِيَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ، وَشَاهِدَهَا . قَالَ : وَيَنْدَرِجُ فِي بَائِعِ الْخَمْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=17218بَائِعُ الْعِنَبِ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا إِلَّا الذِّمِّيَّ ، فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي خِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ . قَالَ : وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْ حَدِيثِ
التِّرْمِذِيِّ مِنْ قَوْلِهِ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349220مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ) فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ . احْتَجَّ ( ح ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=67تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ) ( النَّحْلِ : 67 ) وَالِامْتِنَانُ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْمُبَاحِ لِلْمِقْدَارِ الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا ، وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَقَوْلِهِ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349221اشْرَبُوا وَلَا تَسْكَرُوا ) .
[ ص: 115 ] وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ السَّكَرَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّسْكِيرَ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=15إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ) ( الْحِجْرِ : 15 ) أَيْ مُنِعَتْ وَغُلِّقَتْ ، وَمِنْهُ تَسْكِيرُ الْبَابِ أَيْ غَلْقُهُ ، فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يُتَّخَذُ مِنْهَا مَا يَمْنَعُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ وَالْأَمْرَاضَ ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَالْخَلِّ وَالْأَنْبِذَةِ قَبْلَ الشِّدَّةِ ، وَهِيَ حَلَالٌ إِجْمَاعًا ، فَمَا تَعَيَّنَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ . وَعَنِ الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَاهُ اشْرَبُوا مِنْهُ غَيْرَ الَّذِي يُسْكِرُ كَثِيرُهُ ، لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي مُسْلِمٍ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349222كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) ( الْمَائِدَةِ : 90 ) وَوَجْهُ الدَّلِيلِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : عَطْفُ الْمَيْسِرِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ حَرَامٌ ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ ، وَالْمُسَاوَى بِالْحَرَامِ حَرَامٌ .
الثَّانِي : عَطْفُ الْأَنْصَابِ عَلَيْهِ لِمَا سَبَقَ .
الثَّالِثُ : عَطْفُ الْأَزْلَامِ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ .
الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : رِجْسٌ ، وَالرِّجْسُ : النَّجَسُ لُغَةً ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْجَمِيعِ . خَرَجَتِ الثَّلَاثَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ إِجْمَاعًا ، بَقِيَ الْحُكْمُ مُسْتَصْحَبًا فِي الْخَمْرِ ، فَتَكُونُ نَجِسَةً فَتَحْرُمُ ، وَهِيَ كُلُّ مَا خَامَرَ كَثِيرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، أَوْ يَقُولُ : الرِّجْسُ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الْبُعْدِ الشَّرْعِيِّ ، وَالْبُعْدُ شَرْعًا مُحَرَّمٌ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِدَوَرَانِ هَذَا الْبَحْثِ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصِ ، وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى لِمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ .
[ ص: 116 ] الْخَامِسُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) فَإِضَافَتُهُ إِلَى الشَّيْطَانِ تُفِيدُ التَّحْرِيمَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ .
السَّادِسُ : قَوْلُهُ : ( فَاجْتَنِبُوهُ ) وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ يُسْكِرُ كَثِيرُهَا ، فَيَحْرُمُ قَلِيلُهَا قِيَاسًا عَلَى مَحْمَلِ الْإِجْمَاعِ ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْأَقْيِسَةِ ، فَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْآثَارُ وَوُجُوبُ الِاعْتِبَارِ ، وَالْعَجَبُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقِيَاسَ عَلَى النُّصُوصِ ، وَهَاهُنَا رَفَضُوا الْقِيَاسَ الْمَعْضُودَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَضَافِرَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ ، وَلَا جَرَمَ قَالَ ( ش ) : أَحُدُّ الْحَنَفِيَّ فِي النَّبِيذِ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ ، وَقَالَ
مَالِكٌ : أَحُدُّهُ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ .
قَاعِدَةٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=17418الْمُرَقِّدَاتُ تُغَيِّبُ الْعَقْلَ ، وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهَا ، وَيَحِلُّ قَلِيلُهَا إِجْمَاعًا ، وَلَا يُنَجِّسُ قَلِيلُهَا وَلَا كَثِيرُهَا ، فَفَارَقَتِ الْمُسْكِرَاتِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَحْكَامِ مَعَ اشْتِرَاكِهَا فِي إِفْسَادِ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ ، فَمَا الْفَرْقُ وَبِمَاذَا يَنْضَبِطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَمْتَازَ عَنْ صَاحِبِهِ ؟ فَالضَّابِطُ : أَنَّ مُغَيِّبَ الْعَقْلِ إِنْ كَانَ يُحْدِثُ سُرُورًا لِلنَّفْسِ ، فَهُوَ الْمُسْكِرُ ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمُرَقِّدُ لِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ
وَأَمَّا الْمُرَقِّدُ : فَإِمَّا غَيْبَتُهُ كُلِّيَّةٌ كَالْأَفْيُونِ ، أَوْ يُهَيِّجُ مِنْ مِزَاجِ مُسْتَعْمِلِهِ مَا هُوَ غَالِبٌ عَلَيْهِ مِنَ الْأَخْلَاطِ ، فَتَارَةً خَوْفًا وَتَارَةً بُكَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْفَرْقُ : فَلِأَنَّ الْمُسْكِرَ لَمَّا أَسَرَّ النَّفْسَ تَوَفَّرَتِ الدَّوَاعِي عَلَى تَنَاوُلِهِ تَحْصِيلًا لِلْمَسَرَّةِ ، فَزَجَرَ الشَّرْعُ عَنْهُ بِالْحَدِّ وَالتَّنْجِيسِ ، وَالْمُرَقِّدُ خَسَارَةٌ مَحْضَةٌ وَمَوْتٌ صِرْفٌ ، فَالدَّوَاعِي مُنْصَرِفَةٌ عَنْهُ ، فَاكْتُفِيَ فِي ذَلِكَ بِالتَّعْزِيرِ .