الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الثالث : في الكتاب : للوصي عند الموصى عليه على وجه النظر ، ويمتنع عتقه على مال ; لإمكان الانتزاع ، ويجوز من الأجنبي على عتقه كبيعه إن كان نظراء ، وللأب مكاتبة مدبر ابنه نظرا له ، كما يبيع ويشتري له نظرا ويعتق عبد ابنه الصغير ، والأب ملي ، وإلا لم يجز ، قال غيره : إلا إن تيسر قبل النظر في ذلك فيتم عتقه ، ويقوم عليه ، قال ابن يونس : قال مالك : وإن لم يكن الأب موسرا يوم أعتق فرفع للحاكم رد عتقه إلا أن يتطاول زمانه ، وتجوز شهادته ، ويتزوج [ ص: 265 ] الأحرار فيتبع بقيمته ، وأما الكبير الخارج عن ولايته فيرد عتقه لعبده كالأجنبي ، قال محمد : وإن أعتق عبد ابنه الصغير عن الابن امتنع ، وإنما يلزمه ويقوم عليه إذا أعتقه عن نفسه ، وقاله ( ش ) و ( ح ) : لا تجوز مكاتبة الأب والوصي . لنا : قوله تعالى : ( أوفوا بالعقود ) وقوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) وهما قد نويا الكتابة ، ولأن لهما البيع ، وهما في معنى البيع . احتجوا : بأنها عتق بغير عوض لأن لها أخذ اليسير بغير عتق ، ولأن فيها تغريرا بمال الصبي ، لأن المكاتب يجوز ماله فقد يتلف ويعجز ، والجواب : أن النظر قد يؤدي إلى ذلك فإن يخف آفاته ، كما له بيعه بالثمن اليسير نظرا ، وقد لا يكون له كسب فيحتاجون للكتابة بكسبها ، ويحصل في الكتابة أضعاف قيمته .

                                                                                                                الرابع : في الكتاب : يمتنع مكاتبتك شقصا لك بإذن شريكك أو بغير إذنه للذريعة إلى عتق النصيب بغير تقويم ، ويفسخ ويرد ما أخذت فيكون بينكما مع رقبة العبد ، قبضت الكتابة كلها أو بعضها ، قال غيره : إنما يكون ذلك بينكما إذا اجتمعتما قسمة ، ومن طلب رد العبد فذلك له ; لأن مال العبد المشترك لا يأخذ أحدكما منه شيئا إلا بإذن صاحبه ، ولا ينزع ماله حتى يجتمعا ، وإن كاتبت حصتك ثم كاتب الآخر حصته ولم يتساويا امتنع ذلك إذا لم يكاتباه جميعا كتابة واحدة ، كاتبتماه على مال متفق أو مختلف ; لأن كل واحد يقتضي دون الآخر ، قال غيره : إن تساويا في الأجل والمال جاز ذلك ، وأما إن أعتق هذا أو [ ص: 266 ] دبر ، ثم فعل الآخر مثله ولم يعلم لصاحبه جاز ، قال ابن يونس : وقيل : إن كاتبه إلى سنتين بمائتين ، والآخر بمائة إلى سنة فإن حطه صاحب المائتين مائة وخيره بمائة إلى سنة جاز وكأنهما كاتباه معا ، وإن أبق : قيل للمكاتب : أترضى أن تزيد صاحب المائة مائة وتؤجلها إلى سنة ليتفق الأداء ؟ فإن فعل جاز ، وإلا فسخت الكتابة ، قال اللخمي : إن اتفقت في القدر والنجوم ، والعقد مفترق امتنع ، فإن وقع قال ابن القاسم : يفسخ وأمضاها غيره ، وأبطل الشرط ، ويكون الاقتضاء واحدا ، وإذا فسدت ولم يعلم حتى أدى نجما أو صدرا من الكتابة ففي الفسخ قولان ويسقط الشرط إن أمضيت ، وإن أدى الجميع عتق قولا واحدا ، وقاله ( ش ) الفوت إن كان الفساد بإمكان الافتراق في الاتصال ، واختلاف النجوم ، أما اختلاف الأداء : فإن أخذ أحدهما مائة والآخر مائتين فالفسخ باق إلا أن يسمي العبد الآخر مائة ، أو يرضى السيد أن تكون الدنانير والعروض بينهما ، وإن كاتبه على مائة إلى سنة والآخر على مائة إلى سنة ، والثاني بمائة إلى سنة فسخت ، فإن أدى نجما أو صخرا فإن رضي من له الفضل والعبد بلحوق الأعلى أو رضيا بأن يكون الاقتضاء واحدا مضت الكتابة ، وإلا مضت على أحد الأقوال ويكون اقتضاؤهما واحدا ، ويفسخ على القول الآخر ما لم يؤد نجما أو صدرا وإن كاتب نصيبه وحده ففي الكتاب : يفسخ ، وعنه يحلف السيد ما علم أنه يعتق عليه إذا أدى فإن حلف لم يقوم عليه وإلا قوم ، وظاهر قوله : إنه لا يرد عتق ذلك النصيب ; لأنه لم يقل : إن حلف رد عتق النصيب الذي أدى ، ويختلف على هذا إذا لم يكن فيه شرك ، ففي المدونة : يرق ما كوتب منه وإن أدى ، وعلى القول الآخر : يحلف ، فإن نكل عتق كله إلا أن يكون عليه دين يغترق ما لم يكاتب منه فيمضي ما كاتب في نصفه ، للخلاف أنها [ ص: 267 ] بيع أو عتق فإن كان فيه شرك وفات بالأداء أو فات ما قبضه وهو معسر ، والذي اقتضاه مثل ما ينوبه من مال كان بيده أو من خراجه مضى عتق ما كاتب منه ; لأن الرد إما للاستكمال - وهو معسر - أو لحق الشريك فيما يأخذه ، وهذا لم يأخذ فوق حقه إن كان من خراجه وإن لم يكن أذن ، وإن كان من غير الخراج مضى إن كان بإذنه ، فإن كان العبد معتقا نصفه جاز مكاتبة بقيته ، ويختلف في كتابة نصف البقية فعلى القول بأنه ليس بزيادة فساد يجوز ، وإن كان نصفه مدبرا جازت كتابة الآخر إذا كان يسعى في كتابته في يوم من لم يدبر ، وإن كانت السعاية من مال بيده قسم فكان للمدبر نصيبه ، ويسعى في اليوم ، والآخر للكتابة ، وكذلك إذا أعتق الأول - وهو معسر - أو أولد ; لأن المقال في قسمة المال للثاني ، لأن بيعه بماله أفضل ، قال ابن وهب : إن أعتق أحدهم - وهو معسر - ودبر الآخر وكاتب الثالث يؤدي من ثلثي المال الذي في يده أو ثلثي ما يكسبه ، ولا يؤدي من الجميع ; لأن للمدبر أخذ ثلث ماله وخدمته .

                                                                                                                الخامس : في الكتاب : إذا كاتب النصراني عبدا لنصراني جاز ولا يمنع من بيعه ، ولا فسخ الكتابة ; لأنه من المظالم ، وإن كاتب مسلما ابتاعه أو كان عنده أو أسلم مكاتبه بيعت الكتابة من مسلم ، فإن عجز رق لمشتري الكتابة أو أدى عتق ، وولاء الذي كوتب - وهو مسلم - للمسلمين دون مسلمي ولد سيده ، ولا يرجع إليه ولاؤه إن أسلم ; لأن يوم العقد لم يكن ممكنا منه ، وولاء من أسلم بعد الكتابة لمن يناسب سيده من المسلمين ولدا أو عصبة ، لاستيلائه يوم العقد فإن تعذر فللمسلمين ، فإن أسلم رجع إليه ولاؤه لتسويته له عند العقد ; لأنه كان على دينه ، وإن أسلمت أم ولد الذمي وقفت حتى يموت أو يسلم فيحل له لبقاء حق الوطء ، [ ص: 268 ] ثم رجع إلى أنها تعتق ، ولا شيء عليها من سعاية ولا غيرها ; لبطلان الوطء بإسلامها ، وولاؤها للمسلمين إلا أن يسلم سيدها بعد عتقها عليه ، فيرجع إليه ، وولاؤها له لثبوته له يوم الاستيلاد ، فإن أولد أمته بعد أن أسلمت عتقت عليه ، وولاؤها للمسلمين ، ولا يرجع ولاؤها إن أسلم ، قال ابن يونس : قوله إلا أن يسلم ، يريد : فتلزمه كتابته وعتقه ، وله في العتبية : إن أسلم وبان عنه حتى صار كحال الأحرار فلا رجوع له فيه ، وإن كان هو مختدمه على حاله فله الرجوع فلم يعتبر الإسلام إلا بالبينونة - عندنا - تمنع الرجوع وإن لم يسلم ، وإلا فرق بين الكتابة والعتق ، وظاهر المدونة : أن الإسلام كاف ; لأنه حكم بين مسلم وكافر ، قال سحنون : إن كاتبه بخمر فأسلم العبد بعد أداء نصفه ، فعليه نصف قيمته نصفه عبدا قنا ونصف كتابة مثله في قوته على السعي ، وكذلك إن أسلم السيد ، قال ابن القاسم : إن أسلم سيد أم الولد بعد إسلامها وقبل أن يعتق فهو أحق بها أم ولد له وإن طال ما بين إسلامهما ، ما لم يقض به الإمام ، وإن أولد أمته بعد أن أسلمت عتقت عليه وولاؤها للمسلمين لا يرجع إليه ، قال اللخمي : اختلف في الكتاب في فسخه للكتابة بناء على أنه من التظالم أم لا ، قال : وأرى إن كاتبه على ما يقارب الخراج فهو عتق ، وبابها الهبات فله الرجوع أو على أكثر من الخراج بكثير فهو من باب البيع فيحكم عليه ، وإذا أسلم المكاتب : قال القاضي إسماعيل : يباع عبد خلاف المدونة ، قال : وهو على ما تقدم إن كاتبه على أكثر من الخراج بالكثير بيع مكاتبا ; لأنه لو لم يسلم منع من بيعه عبدا غير مكاتب ، أو على نحو الخراج بيع مكاتبا على نحو عقد له ، إلا أن يرجع في الكتابة فيباع عبدا .

                                                                                                                السادس : في الكتاب : إذا كاتب المريض من قيمته أكثر من الثلث وامتنع الوارث من الإمضاء عتق مبلغ الثلث ، فإن حاز الوارث الكبير قبل الموت لزمه ذلك بعده ، كما لو أسقط الشفعة بعد الشراء وقبل الأخذ أو عفا عن القصاص [ ص: 269 ] بعد الجرح ، وإن قبض الكتابة في مرضه ولم يحاب ومات جاز كبيعه ، ومحاباة في البيع في ثلثه ، وتمتنع كتابة المديان من ناحية العتق بخلاف المريض ، وقال غيره : الكتابة في المريض من ناحية العتق بمحاباة أم لا ، ويوقف بخدمة فإن مات والثلث يحمل جازت الكتابة ، وللأخير الورثة في الإجارة أو بتل محمل الثلث فمنه بما في يديه من الكتابة ، وإن كاتبه في صحته وأقر في مرضه بقبض الكتابة جاز ، ولا يتهم إن ترك ولدا وإن ورث كلالة ، والثلث لا يحمله لم يصدق إلا ببينة ، وإن حمله الثلث صدق ; لأنه لو أعتقه جاز عتقه ، وقال غيره : إذا أقسم فالميل والمحاباة له لم يجز إقراره حمله الثلث أم لا ، ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث ، وإن كاتبه في مرضه وأقر بقبض الكتابة في مرضه ، وحمله الثلث وعتق ورثته ولدا وكلالة ، وإن لم يحمله الثلث خير ورثته في إمضاء كتابته أو عتق محمل الثلث ، وقال غيره : توقف نجومه ; لأن الكتابة في المرض عتاقة من الثلث لا من ناحية البيع ; لأن المؤدى من جنس الغلة ، وإن كاتبه في المرض بألف وقيمته مائة ، وأوصى بكتابته لرجل ، وحمل الثلث رقبته جازت الكتابة ، والوصية كالوصية بأن يخدم فلانا سنة ثم هو حر ، وإن لم يحمله الثلث ولم يجز الورثة عتق منه محمل الثلث ، وبطلت الوصية بالكتابة لتبدية العتق عليها ، قال في النكت : قال بعض شيوخنا : إذا كاتبه في المرض وحابى وقبض الكتابة جعل في الثلث قيمة الرقبة كلها بخلاف محاباته في البيع تعجل المحاباة خاصة ; لأن الكتابة في المرض عتق ، وإذا حابى والثلث يحمل رقبته جاز ، ولا يغرم في النجوم المقبوضة ، ولا يضاف للمال الميتة ، وإن لم يحمله الثلث ردت النجوم المقبوضة ليد العبد وأعتق منه بماله محمل الثلث ; لأن الثلث إذا حمل [ ص: 270 ] أخذ المال الورثة فلا يكثر مال الميت به ، قال بعضهم فيما إذا كاتب في الصحة وأقر في المرض بقبض الكتابة والثلث يحمله : إنما يصح إذا كان الثلث لم يؤمر فيه بشيء وإلا فمراده : تنفيذ وصاياه ، ويخرج العبد من رأس ماله فهو كالقائل : أعتقت عبدي في صحتي فلا يعتق ، وقيل : سواء أوصى أم لا يجوز إقراره إذا كانت وصاياه يقدم عليها هذا العبد . قال اللخمي : إن كانت كتابة المريض بمثل الخراج فهي من ناحية العتق ; لأنه وإن لم يحابه لا يقدر على أكثر من ذلك ، وله أخذ ذلك من غير كتابة ، وأكثر من الخراج بالأمر البين فهي مبايعة ، وينظر هل فيها محاباة أم لا على المجنون ، أو لأنه أحد طرفي العقد فلا يصح من الصبي كالطرف الآخر .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن أدلة الكتابة خاصة وآية البيع عامة فيقدم الخاص .

                                                                                                                وعن الثاني : أن المسألة مبنية على إجبار العبد فتكون المكاتبة كالمعاقبة لا تفتقر إلى تكرر الفعل من عاقبة اللص وطارقة الفعل ، مع أن تكرر الفعل أن يفعل كل واحد مثل فعل الآخر ، وهذا منفي إجماعا وإلا لزم أن كل واحد منهما يوجب ويقبل ويستحق العرض وهذا محال .

                                                                                                                وعن الثالث : أن كتابة المجنون عندنا جائزة على كراهة قاله ابن القصار تخريجا على رواية البحر ، وقد يتصدق عليه بالأداء . وفي الجواهر : إذا فرعنا على قول أشهب في منع كتابة الصغير فعنه : حده : عشر سنين ; لأنه حد الضرب على الصلاة ، والتفريق في القوة على العمل ، لم يكره ( ش ) كتابة الأمة غير المكتسبة . لنا : ما روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال : لا تكلفوا الأمة الكسب ; فإنها تكسب بفرجها . وروي مرفوعا .

                                                                                                                [ ص: 271 ] الثاني : في الكتاب : تمتنع كتابة بعض عبده ، وإن أدى لم يعتق منه شيء ككتابة شقصه ; لأنه ذريعة إلى عدم استكمال العتق بالتقويم .

                                                                                                                الثالث : في الجلاب : لا تكاتب أم الولد وتفسخ إن أدركت قبل فوتها ، فإن فاتت بالأداء عتقت ، ولا ترجع على السيد بما أدت ، قال الأبهري واللخمي : أصل مالك : جواز إجارتها برضاها ، وإذا جاز ذلك جازت الكتابة برضاها ، وأولى بالجواز بمصلحة العتق ، قال بعض الفقهاء : ينبغي إذا كاتبها في مرضه أن يرجع على بركته إذا مات من ذلك المرض ويكاتب المدبرة ، وإن مات قبل الأداء عتقت في الثلث وسقطت الكتابة ، وإلا عتق ثلثها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية