الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع في الكتاب : إن مثل بمكاتبه عتق عليه ، وعليه في تلك الجناية ما على [ ص: 158 ] الأجنبي ، لأنه خارج نفسه وماله ، ويقاص بالأرش في الكتابة ، فإن ساواها عتق وإن نافت عليها الكتابة عتق ، ولا يتبع بنفسها ، وإن ناف الأرش عليها اتبع المكاتب سيده بالفضل وعتق ، وإن مثل بعبد مكاتبه لم يعتق عليه وعليه ما نقصه ، لأن المكاتب حاز ماله ، إلا أن يكون مثله مفسدة فله تضمينه كالأجنبي ، ويعتق عليه ، وكذلك عبد امرأته مع العقوبة في العمد ، قال اللخمي : إن كان الأرش أقل حاسبه به من آخر نجومه ، والمثل والجرح سواء ، وقال أصبغ : يتبع سيده لعدم خلوص حريته ، وحوزه حالة الجناية .

                                                                                                                فرع : قال اللخمي : مثلته بعبد ولده الصغير كعبد نفسه ، لاستيلائه على ماله إن كان موسرا بقيمته ، أو فقيرا لم يقوم عليه ، فجعل ابن القاسم تمثيله ابتداء ، قال : وليس بالبين ، لأنه إذا أعتق ألزم نفسه القيمة ، وها هنا بحكم القهر الشرعي ، ومثلته بعبد ولده الكبير كالأجنبي ، إلا أن يكون الولد سفيها في ولايته ، فيعتق عليه عند ابن القاسم .

                                                                                                                فرع : قال : إذا مثل بعبد أجنبي ولم يبطل الغرض الذي يكتسب لأجله ، فعليه أرش الجناية ، وإن أبطلته الجناية : فثلاثة أقوال : يقوم على الجاني حرا ، وإن لم يقم بذلك السيد لم يعتق ، لأنه حقه ، وقيل : يقدم خيار السيد إن اختار الرجوع بالأرش صار العبد إليه يغرم القيمة ، لأن الحديث إنما جاء في مثلته بعبد نفسه ، ولأن العتق يسرع السادات إلى ذلك ، والأجنبي لا يسرع لمال غيره .

                                                                                                                فرع : قال ابن يونس : إن مثل بعبده النصراني : قال ابن القاسم : لا يعتق عليه ، لأن الحديث وارد في المسلم ، وهو قاصر عنه ، وقال أشهب : يعتق ، قياسا على المسلم .

                                                                                                                [ ص: 159 ] نظائر : قال ابن بشير : شروط العتق بالمثلة ستة : أن يكون الممثل بالغا ، عاقلا ، مسلما ، حرا ، رشيدا ، مديانا .

                                                                                                                الخاصية الرابعة : امتناع العتق لحجر المرض أو الدين : وفي الكتاب : إن أعتقهم في صحته وعليه دين يغترقهم لا مال له سواهم ، لم يجز عتقه ، لأن الدين مقدم على التبرع ، أو لا يغترقهم ، بيع من جميعهم بمقدار الدين بالحصاص لا بالقرعة ، لتعلق حق الجميع بالعتق ، وعتق ما بقي ، وإنما القرعة في الوصايا ، وعتق المرض ، ولا يجوز لمن أحاط الدين بماله عتق ، ولا هبة ، ولا صدقة ، وإن بعد أجل الدين إلا بإذن غريمه ، لأن المال تعين لقضاء الدين ، وهو مقدم على التبرع ، وجوزه ( ش ) ، لأن الدين متعلق بالذمة ، وجوابه : لا فائدة في الذمة إذا عدم المال ، ولذلك شرع التفليس ، ولا يطأ أمة رد عتقه فيها ، لأن الغريم إن أجاز عتقه أو أيسر قبل أن تباع ، عتقه ، وبيعه ، ورهنه ، وشراؤه جائز ، لأن لا يخل بالمال ، بل لنميه ، وإن باع عبدك سلعتك بأمرك ، ثم استحقت بعد عتقه ، ولا مال لك فلا رد للعتق ، لأنه دين لحقك بعد العتق ، وإذا أعتقت وعليك دين ولك عرض أو مال غير العبد يفي بالدين ، فلم يقم الغرماء حتى هلك العرض ، فلا يردوا المعتق وإن لم يعلموا ، ولا يباع لهم إلا ما كان يباع لهم يوم العتق بعد إدخال المال الكائن يومئذ ، وكذلك التدبير لتقدمه على حقهم فلم يصادف حجرا ، بخلاف الخلاف ، لأنه لا يكاتب بعض عبد ، ويباع في الدين إلا أن تكون الكتابة إن بيعت وبعضها كفافا لدين ، فباع ولا رد الكتابة ، قال ابن يونس : قال سحنون : إن وطأ جارية رد الغرماء عتقه ، أو وطأ جارية أوقفها الحاكم للبيع فحملت ، إن عذر بالجهالة لا شيء عليه ولا أدب ، وإن وضعت [ ص: 160 ] ولم يعد مالا بيعت هي وولدها حر ، لأنه سبب قد تقدم الدين عليه . ومنع الحاكم والولد على الحرية ، لأنه ولد السيد من أمته ، وكذلك إن وطئها بعد الإنفاق وقبل العتق ، إذا وطئها قبل العتق فحملت لا تباع إلا أن يكون الحاكم انتزعها ووقفها للبيع . فوطئها فحملت ، فها هنا تباع ، قال : والصواب : التسوية بين إيقاف الغرماء والسلطان ، لأن ضمانها منه في الوجهين ، قال : وكذلك عندي لو تشاور الغرماء في تفليسه ، فقال : أنا أقفها بالولادة ، وشهد على قوله ، فإنها تباع بعد الوضع ، لتسببه في إتلاف أموالهم ، كبيع العامل الميراث ، قال ابن القاسم : إن تصدق ، أو أعتق ، ثم قام الغرماء وأثبتوا أنه لا وفاء عنده حين الصدقة ، فإن لم يعلموا بالصدقة ردها الغرماء ، وأثبتوا أنه لا وفاء عنده لا الفضل عن دينهم ، ولا يرد العتق إن طال زمانه ووارث الأحرار ، قال مالك : وترد الصدقة وإن طال الزمان ، إلا أن يسري خلال ذلك ، ولا يرد إن أعدم بعد ذلك قبل قيامهم ، قال أصبغ : والتطاول في العتق الذي ربما أتت على السيد أوقات أيسر فيها ، وينزل الغرماء على أنهم عملوا لطول الزمان ، ولو تيقنا بشهادة قاطعة عدم اليسار وعدم علمهم فرد عتقه ، ولو أولد له سبعون ولدا .

                                                                                                                قال ابن عبد الحكم : إن قاموا بعد ثلاث سنين وهم في البلد صدقوا في عدم العلم ، وإن قالوا : علمنا العتق دون عجزه عن الوفاء يمضي العتق بقدر دين من علم العتق بالحصص : قال مالك : إن أعتق وله ما يفي بنصف دينه ، وأفاده بعد العتق ، ثم ذهب ، رد من العتق بقدر تمام دينه ، لأنه متعلق الحجر دون غيره ، [ ص: 161 ] قال محمد : وإن أفاد بعد تلف هذا المال بما يفي بنصف دينه أيضا فلم يقم الغرماء حتى ذهب ، فلم يرد من العتق شيء ، وقاله ابن القاسم ، وإن أعتق عبدين معا وعليه دين مثل نصف قيمتهما ، فمات أحدهما فلا يباع من الثاني إلا ما كان باع منه لو يفت الآخر ، وكذلك لو أعور أحدهما ، لأنه مقتضى السبب السابق ، ولو أعتق واحدا وفي الأخير كفاف الدين الأول ، أو أقل من الدين بيع من الأول ببقية الدين ، وإن لم يبع الآخر حتى نقصت قيمة الآخر بحوالة سوق ، أو نقص بدن ، لم ينظر لذلك ، وعتق الأول ، أو ما كان يعتق منه يوم العتق ، قاله كله ابن القاسم ، قال محمد : إن حالت قيمته بزيادة ، ثم نقصت . فليحسب المفلس لدفع قيمته بلغت الآخر ، وإن أعتق عبده وعليه ما يغترق نصف قيمته يوم العتق لم ينظر إلا ما زاد بعد ذلك أو نقص من القيمة ، وينبذ عتق مالك الحصة ، أما النقص فعم ، وينبغي في الزيادة ألا تباع إلا بقدر الدين ، وذلك يزيد في عتقه ، قال أصبغ : أعتق جارية قيمتها ألف ، وعليه تسعمائة ، فإن بيع منها للدين لم يكن في بعضها وفاء ، وإن بيعت كلها بيعت بأكثر منها ، قال : تباع كلها ويمنع بما بقي من ثمنها بعد قضاء الدين ما شاء ، وإن يئس أن يباع منها بتسعمائة ولو أكثر من تسعة أعشارها ليبيع ، وعتقت الفضلة ، ولو تأخر بيعها حتى حال سوقها فلا تساوي تسعمائة ، فإنما يباع منها اليوم ما يباع قبل ذلك ، ويتبع بالباقي في ذمته أو بزيادة لم يبع إلا كفاف الدين بحصول المقصود ، وعن مالك : إذا بعضه لم يوف بالدين لتعينه بالحرية ، إذا بيع كله كان أكثر من [ ص: 162 ] الدين ، يباع كله ، ويستحب جعل الفضل في حرية .

                                                                                                                قال ابن عبد الحكم : إن أعتق عبدين قيمة كل واحد مائة ، وعليه خمسون ، وإن بيع من كل واحد جزء ، لم يكف الدين لدخول الحرية ، وإن بيع كل واحد منهما كان ثمنه أكثر من الدين ، فيقرع بينهما فيباع الخارج بالقرعة . ويصنع بفضل ثمنه ما شاء ، ويعتق الآخر ، قال ابن الحكم : وكذلك إن مات عن مدبر قيمته مائة ، وعليه عشرون ، وإن بيع جزء بالدين لم يبلغ الدين ، فيباع كله ويقضى الدين ، ويفعل الوارث بالفاضل ما شاء ، لأنه مال أذن إليه الأحكام لا عتق فيه ، قال سحنون : يباع على التبعيض فيقال : من يشتري منه بعشرين ؟ فيقال : زيد أخذ ربعه ، ويقول آخرجه حتى ينته ، فهو العدل ، قال محمد : إن أعتقهم وعليه دين يحيط ببعضهم فلم يعلم الغرماء حتى ادان ما يحيط ببقيتهم ، قال ابن القاسم : لا يباع إلا قدر الدين الأول بفلسه ، لأنه الذي تقدم العتق ، وقال أشهب : يباعون كلهم حتى يستوفي الأول والآخر ، لأنه إذا دخل الآخر مع الأول لم يستوف الأول حتى يستوعب الجميع ، والصواب : لا يباع الأول ، ويدخل الآخر ، قال ابن القاسم : إن دبره وعليه دين يحيط ببعضه ، ثم ادان ما يغترفه ، بيع بقدر الدين الأول ما حده الدين الأول ، ولا يدخل فيه الآخر ، ولا يباع له شيء وقد بقي له ما يباع بعد موت السيد ، وإن ابتاع بيعا فاسدا ، وأعتق قبل دفع الثمن ، وقيمته أكثر ، وليس له غيره : قال أشهب : يرد منه قدر الثمن ، لأن القيمة تحددت بعد العتق ، وقاله ابن القاسم ، قال اللخمي : إذا بيع الجميع لأن البعض لا يوفي منه بالدين لتعينه بالحرية ، وجب جعل الفضل في عتق ، وإذا كانوا عددا ، والعتق في الصحة ، بيع في الدين بالحصص ، ولا مقال للعبيد في العتق وفيمن يباع ، إلا أن يكون متى بيع بالحصص لا يفضل للعتق لعيب العتق ، فيقرع فيمن يباع للدين ، ويعتق الباقي ، وإن بتل في المرض أو وصى بالبيع للدين [ ص: 163 ] حسب ما كان العتق ، إذا ضاق الثلث ، ولم يجز الورثة ، فيباع بالقرعة بعد قضاء الدين بالقرعة . وإذا وقع بالقرعة للبيع عبد وبعض آخر ، لم يبع البعض حتى يقرع على نفسه ، فإن خرج للعتق بيع على أن بقيته حر ، وللورثة فعل ذلك نفيا للغرر في البيع ، فإن بيع قبل علم المشتري فإن بقيته حر أو رقيق فسد البيع ، وإن كان معه مائة ، ثم ذهب للذي أفاد وذهب المائة الأولى إذا ذهب جميع ذلك ، يمضي العتق لحصول كمال اليسار بعد العتق ، وفي الموازية : إذا أفاد بعد ذهاب الأول بمعنى العتق ، فإن رد العتق ، وأفاد بعد قبل البيع أو بعده . قال مالك : ينفذ العتق وإن وقع قبل إنفاذ البيع ، لأن بيع الإمام بالخيار ثلاثا ، وقال ابن نافع : رد الإمام يمنع العتق ، وإن أفاد مالا ، وفي مختصر الوقار : إن أفاد بالقرب عتقوا وإلا فلا ، وإن لم يرد العتق حتى مات العبد عن مال وله ورثة أحرار ، أو مات له ولد حر وخلف مالا ، ثم أجاز الغرماء العتق لم يورث ، ولم يرث بالحرية ، وفي هذا خلاف لأشهب ، والأول في الكتاب ، لأنه عبد حتى يعلم العلماء ويخير قال ابن يونس : قوله أول الفرع : إذا استحقت السلعة بعد العتق لا يرد العتق ، هذا إذا كان الثمن بيد السيد حين أعتق أما إن تلف أو أنفقه قبل العتق رد العتق ، لأن السلعة لم يكن له مال ، ولو كان له رجوع بالثمن على أحد لم يرد العتق حتى يوئس من الثمن ، ولو كان إنما قام المبتاع السلعة بعيب فقد هلك الثمن ولا شيء للبائع ، لم ينقض من العتق إلا قدر قيمة العيب ، ردها بقيمتها ، أو فاتت ، وأخذ الأرش ، ولا يقبل في ذلك إقرار البائع ، ولا يقبل العيب إلا بالبينة ، ويتبع بحصة العيب دينا إن أقر ، قاله محمد ، وهو تفسير لقول ابن القاسم ، قال بعض القرويين : وهذا بخلاف ما في كتاب الرهن ، إذا زوج أمة وقبض صداقها ، ثم أعتقها الزوج قبل البناء ، يرجع بنصف الصداق ، فوجد السيد عديما ، لا يرد [ ص: 164 ] العتق لوجوب نصف الصداق بعد العتق بالطلاق ، ولو شاء الزوج لم يطلق ، ولو طلق قبل ، ثم أعتق السيد بعد معدما ، رد من العتق بقدر نصف الصداق ولو تزوجها تزويجا يجب فسخه قبل البنا ، ثم أعتقها قبل الفسخ ، ثم فسخ فوجد السيد عديما ، رد العتق ، لأن الصداق من حين قبضه دين عليه لفساد النكاح .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية