فرع في الكتاب : تحلف المرأة في بيتها في اليسير إن كانت ممن لا تخرج ، فبعث القاضي إليها من يحلفها ، ويكفي رجل واحد ، وأم الولد كالحرة ممن لا تخرج أو تخرج ، كما أن العبد ومن فيه بقية رق ، كالحر في اليمين ، والمكاتبة والمدبرة كالحرائر في اليمين ، لأن الأصل : المساواة ، ويحلف النصراني واليهودي في كنائسهم ، وحيث يعظمون ، والمجوسي في بيت ناره ، وحيث يعظم ، في التنبيهات : قوله : لا يحلفون بالله ، ولا يزاد : والذي أنزل التوراة والإنجيل : حمله بعضهم على ظاهره ، ولا يلزمهم تمام الشهادة إذ لا يعتقدونها ، فلا يكلفون ما لا يدينون به ، قاله ابن شبلون ، وألزم غيره اليهود ذلك دون غيرهم ، لأنهم لا يوحدون ، وقيل : مراده : حلف المسلمين ، قاله أبو محمد ، وقيل : يلزم جميع ذلك وإن لم يعتقدوه ، ويجبرون عليه ، ولا يكون ذلك إسلاما منهم ، بل هو حكم يلزمهم من أحكام الإسلام بعقد الذمة ، كقضاء القاضي عليهم بأحكام الإسلام ، وعليه متقدموا الأصحاب ، والمرأة التي لا تخرج كنساء الملوك يبعث لها الإمام من يحلفها في بيتها ولا تمتهن ، وهذا فيما يدعى عليهن ، وأما ما يدعين فيخرجن لموضع اليمين ، وحلفهم في أقرب المساجد إليهن ، وقيل : لا بد من خروجهن ، فإن امتنعت حكم عليها حكم الملك ، قال : وليس بجيد ، لأنهن [ ص: 70 ] مكرهات فلا لذة مع الإكراه ، وقيل : ما له بال في حق النساء ، هو المال الكثير ، بخلاف الرجال ، وقاله سحنون محمد ، وقال محمد : بل ربع دينار ، قال ابن يونس : قال الشيخ أبو الحسن : للطالب تحليف اليهود يوم السبت ، والنصراني يوم الأحد ، ويجبران على ذلك ، قال : أما النصراني فكما ذكر ، لأن من دينهم الامتناع من اليمين في يوم الأحد وغيره ، وأما اليهودي : فشرعه يوم السبت : أن لا يبيع ، ولا يشتري ، ولا يطالب ، ولا يستحلف ، وبذل الجزية على هذا ، فكيف يخالف العقد ؟ بل يؤخر إلى زوال السبت ، وأما تحليفهم بموضع يعظمونه ، فمن شريعتهم . وإذا رد ثوبا بالعيب : قال محمد : إن كان النقص أكثر من ربع دينار حلف بالجامع ، وقيل : بل المراعى إن كان الثوب قائما قيمته ، لأنه يطلب الثمن ، فلا ينظر إلى قيمة العيب ، إلا أن يفوت ، وإذا كان لك ربع دينار لا أقل ولا أكثر ، قال اللخمي : في الكتاب : مستقبل القبلة ، وقال مالك : يحلف جالسا ، وعنه : قائما ، وقاله عبد الملك : إلا في أقل من ربع دينار ، وتحلف المرأة في بيتها جالسة ، وعن مالك : ليس على من حلفه في غير المسجد أن يقوم ، قال : وأرى الاستقبال ، كأن قال الحق دون القيام ، وقد يحسن القيام في القتل ، ولم يقم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اللعان إلا في الخامسة أقام المرأة ، وقيل : أقام الرجل في الخامسة ، وليس في الصحيح ، ومن حلف في جميع ذلك أجزأه ، قال محمد : إذا أرادت المجوسية تحلف بالنار منعت ، ولا تحلف إلا بالله ، قال صاحب المنتقى : إنما يحلف فيما عدا مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من المساجد عند المحراب ، وإن لم يكن [ ص: 71 ] بقرب المنبر ، وأعظم شيء في المساجد : المحاريب ، وهو معنى قول مالك ، وإذا كان المحلوف عليه غير مال كالطلاق ونحوه : حلف على المنبر ، وقاله ( ش ) ، وعند ( ش ) : لا يغلظ في المال إلا في مائتي درهم أو عشرين دينارا وعرض يساوي أحدهما ، لأنه يصل بين الغني والفقير ، وجوابه : أن هذا لا يدل على أن ربع الدينار ليس عظيما ، بل كونه سبب القطع يدل على عظمه . والتغليظ عندنا يقع بخمسة أشياء : بالزمان ، وفيه قولان ، وبالمكان ، واللفظ بزيادة الذي لا إله إلا هو واحد ، يقتصر على اسم الله ، والعدد في القسامة ، والهيئة في القيام . واستقبال القبلة ، ووافقنا ( ش ) في الأربعة الأول ، وقال ( ح ) : لا يغلظ بالزمان والمكان في شيء من الأيمان . لنا : قوله تعالى : ( تحبسونهما من بعد الصلاة ) جاء في التفسير : بعد صلاة العصر ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) وهو لا يفعل ذلك إلا بإلجاج من الحاكم ، فدل ذلك على أنه لازم ، ولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رجل وامرأة بعد العصر . وفي الموطأ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 72 ] ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : رجل منع ابن السبيل فضل مائه بفلاة ، ورجل بايع الإمام إن أعطاه وفى له ، وإن لم يعطه خانه ، ورجل حلف على يمين فاجرة بعد العصر ليقتطع بها مال مسلم ) وفي رواية الموطأ أيضا : ( من حلف على منبري آثما تبوأ مقعده من النار ) ولأن فيه زجرا عن الباطل ، فشرع لتغليظ اللفظ . احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه ، حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قالوا : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ، قال : وإن كان قضيبا من أراك ، وإن كان قضيبا من أراك قالها ثلاثا البينة على من أنكر ) فأطلق ولم يقل مكان ولا غيره ، وفي حديث سهل : ( ) ولم يخص ، ولأنه حجة فلا يغلظ كالبينة ، وقياسا على ما دون النصاب . أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم
والجواب عن الأول : أن ما ذكرناه مقيد ، وما ذكرتموه مطلق ، ولأن ما ذكرتموه إنما سيق لبيان من يتوجه عليه اليمين ، لا لبيان صفة اليمين ، فلا يحتج به فيه على القاعدة المتقدمة .
وهو الجواب عن الثاني ، وعن الثالث : الفرق ، فإن البينة تخبر عن أمر غيرها ، فلا تهمة ولا تغليظ ، والحالف مخبر عن أمر نفسه فاتهم ، فشرع له الزاجر ، وعن الرابع : أن الاحتياط للمال العظيم دون غيره مناسب في الفرق ، وقال ( ش ) : التغليظ بزيادة لفظ الصفات مستحب في جميع الأحوال ، والقليل والكثير ، فيزيد في : عالم الغيب والشهادة : الرحمن الرحيم ، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية . وذلك عنده مفوض لاجتهاد الحاكم ، وقال ( ح ) : إن استراب منه غلظ ، وإلا اقتصر على قوله : والله ، والاقتصار عند ( ش ) على ذلك مخبر أيضا ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتصر [ ص: 73 ] عليه في تحليف ركانة ، وجوز ( ش ) ، نحو : وعزة الله ، واستحسن ( ش ) التحليف على المصحف وبالمصحف ، واحتج ( ش ) بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - الاقتصار على صفة واحدة من صفات الذات اليهود فقال : أنشدكم بالله الذي أنزل على نبي إسرائيل الكتاب ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ونجى بني إسرائيل من آل فرعون . وجوابه : أنه لله حلف رجلا فقال : والله الذي لا إله إلا هو . ولم يزد ، وافقنا ( ش ) حلف في أنه لا بد من وابن حنبل ، وإن كان لا يعتقده ، لأنه لا يجوز تعظيم غير الله ، والحلف بالشيء تعظيم له ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( التحليف بالله في حق المجوسي وغيره ) ولأنه إذا لم يعتقد عظم إثمه قديما . تعجلت عقوبته فاتعظ هو وغيره ، وخالف من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت فقال : لا تغليظ بزمان ولا مكان ولا لفظ . ابن حنبل