الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكل ما ظهر عليه عنوة من بلاد العجم ، فعامره كله لمن ظهر عليه من المسلمين على خمسة أسهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن بلاد الشرك إذا صارت من بلاد الإسلام ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تصير من بلاد الإسلام عفوا بإسلام أهلها طوعا من غير إيجاف خيل ولا ركاب ، ولا بتهديد وإرهاب فحكم ذلك حكم ما أحياه المسلمون من أمصارهم في ملكهم لرقاب عامرها واستواء كافة المسلمين في إحياء موتاها ، وجميعها أرض عشر فيما أسلموا عليه من عامر ، وما استأنفوا إحياءه من موات .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما ظهر عليه المسلمون باليد والغلبة ، وذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : ما ملك عنوة .

                                                                                                                                            والثاني : ما فتح صلحا ، فأما المملوك عنوة فعامر مغنوم يقسم خمسة على خمسة من أهل الخمس ، وتكون أربعة أخماسه مقسومة بين الغانمين ، فأما مواته فلهم فيه حالان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لا يذبوا عنه ، ولا يمنعوا منه ، ويخلوا بينه وبين المسلمين من غير حائل عنه ، فهذا في حكم موات المسلمين من أحياه فقد ملكه ، ولا يختص به الغانمون دون غيرهم .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يذبوا عنه ويمنعوا منه ، ويقاتلوا دونه ، فقد صار الغانمون أولى به ، ثم اختلف أصحابنا هل صاروا أولى به يدا ، أو ملكا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهم أولى به يدا كالمحجر على الموات وهو أولى به ، لمحجره ويده من غيره ، وإن لم يصر ملكا له فإن أخروا إحياءه قال لهم الإمام : إما أن تحيوه أو ترفعوا أيديكم عنه ليحييه غيركم ، كما يقول لمن يحجر مواتا في بلاد الإسلام ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي وأبي حامد الإسفراييني : لأن منع المشركين منه تحجير ثم انتقلت أيديهم إلى الغانمين فصاروا بالغنيمة متحجرين ، فعلى هذا الوجه لو بدر غير الغانمين فأحياه ، ملكه كما يملك ما أحياه من موات ما يحجر عليه مسلم في بلاد الإسلام .

                                                                                                                                            [ ص: 503 ] والوجه الثاني : وهو قول أبي حامد المروزي وأبي الفياض أن الغانمين أولى بالموات ملكا : لأنه قد صار بالمنع تبعا للعامر ، فلما ملك الغانمون العامر ملكوا ما صار تبعا له من الموات ، فعلى هذا لا يملكه غيرهم بالإحياء ، ولا يعترض عليهم برفع اليد بتأخير الإحياء ، ولا يجوز لغيرهم أن يأخذ من معادن هذا الموات شيئا لا من ظاهرها ، ولا من باطنها ، وعلى الوجه الأول يجوز فهذا حكم ما فتح عنوة ، وسيأتي حكم ما فتح صلحا ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية