الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ويبيع ما كان في يديه مع ما كان من ثياب ، أو أداة السفر ، وغير ذلك مما قل ، أو كثر فإن كان فيه فضل كان لوارثه وإن كان خسران كان ذلك " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            إذا بطل القراض بموت أحدهما وجب بيع كل ما كان من مال القراض من عرض للتجارة ، أو أداة للسفر . قال الشافعي : مع ما كان من ثياب فتمسك بذلك من ذهب من أصحابنا إلى أن للعامل أن ينفق على نفسه في سفره من مال القراض ؛ لأنه لو لم يشتر ثياب سفره من مال القراض لم يجز بيعها في القراض . وهو لعمري يجوز التمسك به .

                                                                                                                                            وقد تأوله من ذهب إلى أنه لا نفقة له على ثياب اشتراها العامل للتجارة ، أو اشترها لنفسه وهي غير مختصة بسفره .

                                                                                                                                            فإذا بيع جميع ما وصفنا فلا يخلو ما حصل من ثمن جميعه من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            [ ص: 332 ] أحدها : أن يكون بقدر رأس المال من غير زيادة عليه ، ولا نقصان منه ، فلرب المال أن يأخذه كله ، ولا حق للعامل فيه لعدم ربحه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون أكثر من رأس المال ، فلرب المال أن يأخذ رأس ماله ثم العامل شريكه في ربحه على مقتضى شرطه في عقده من نصف ، أو ثلث ، أو ربع .

                                                                                                                                            فلو تلف بعض المال بعد أن صار ناضا نظر فيه :

                                                                                                                                            فإن كانا قد عينا حق العامل منهما فيه كان التالف منه تالفا منهما بالحصص ، وإن لم يكونا قد عينا حق العامل فيه فالتالف منه تالف من الربح وحده ؛ لأن الربح قبل أن يتعين ملك العامل له مرصد لجبران رأس المال .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون أقل من رأس المال إما بخسران قد حصل في المال ، أو لحادث أتلف شيئا منه ، فيكون ذلك عائدا على رب المال دون العامل ؛ لأن الربح يعود عليهما ، والخسران مختص برب المال منهما .

                                                                                                                                            فإن قيل فهلا كان الخسران عليهما كما كان الربح لهما ؟

                                                                                                                                            قيل : هما في الحكم سواء وإن عاد الخسران على رب المال ؛ لأنه الخسران يعود إليه إلى ما تناوله عقد القراض منهما ، والقراض إنما تناول عملا من جهة العامل ، ومالا من جهة رب المال ، فعاد الخسران على العامل بذهاب عمله ، وعلى رب المال بذهاب ماله .

                                                                                                                                            فعلى هذا لو شرطا في عقد القراض تحمل العامل للخسران كان القراض باطلا لاشتراطهما خلاف موجبه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية