الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " والتعزير ليس بحد يجب بكل حال ، وقد يجوز تركه ، ولا يأثم من تركه . قد فعل غير شيء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير حد ، فلم يضرب فيه من ذلك الغلول وغيره ، ولم يؤت بحد قط فعفاه ، وبعث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى امرأة في شيء بلغه عنها فأسقطت ، فقيل له : إنك مؤدب فقال له علي رضي الله عنه : إن كان اجتهد فقد أخطأ ، وإن كان لم يجتهد فقد غش . عليك الدية فقال عمر : عزمت عليك أن لا تجلس حتى تضربها على قومك ، فبهذا قلنا خطأ الإمام على عاقلته دون بيت المال " .

                                                                                                                                            [ ص: 435 ] قال الماوردي : وهذا كما قال . تعزير الإمام لمستحق التعزير مباح وليس بواجب ، فإن حدث عنه تلف كان مضمونا . وقال أبو حنيفة : التعزير واجب لا يضمن ما حدث عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : جنب المؤمن حمى فلم يجز استباحة ما حظر منه بما ليس بواجب . قال : ولأنه انتهاك عرض محظور فاقتضى أن يكون واجبا كالحدود ، ودليلنا عفو النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كثير من مستحقيه ، ولم يعف عن واجب من الحدود ، وقال حين سئل العفو عن حد : لا عفا الله عني إن عفوت فمما عفا عنه من التعزير أنه أتى ، وقد حظر الغلول برجل قد غل من الغنيمة ، فلم يعزره وقال له رجل وهو يقسم الصدقات : اعدل يا رسول الله فتمعر وجهه وقال : ثكلتك أمك إذا لم أعدل فمن يعدل ، ولم يعزره ، وفيه أنزل الله سبحانه : ومنهم من يلمزك في الصدقات [ التوبة : 58 ] . وتنازع الزبير بن العوام ورجل من الأنصار شربا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اسق يا زبير ، ثم أرسل إلى جارك .

                                                                                                                                            فقال الأنصاري : إنه ابن عمتك فنسبه إلى الميل والتحيف ، فلم يعزره وفيه أنزل الله سبحانه : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
                                                                                                                                            [ النساء : 65 ] ، ففارق بعفوه عن التعزير ما حظره من العفو عن الحدود ، فدل على افتراقهما في الوجوب ، ولأنه ضرب غير محدود الطرفين فلم يكن واجبا كضرب المعلم والزوج ، وأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - : جنب المؤمن حمى فهو أن الاستدلال به على إسقاط الوجوب أصح : لأنه أبلغ في حمى جنبه من وجوبه . وأما القياس فباطل بضرب الزوج ثم المعنى في الحد أنه لما لم يصح العفو عنه وجب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية