الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر توجيه القولين فللمشتري وللشفيع أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدهما : إن تعجل الشفيع الثمن فيجبر المشتري على تسليم الشقص على القولين معا ؛ لأنه قد تعجل مؤجلا وأمن خطرا .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن يرضى المشتري بتسليم الشقص وتأجيل الثمن فيلزم الشفيع أن يأخذ ، أو يعفو على القولين معا ؛ لأنه قد يتعجل منافع الشقص ، ولا يستضر بتعجيل الثمن فإن لم يفعل وانتظر بأخذه حلول الأجل بطلت شفعته على قوله في القديم ، وفي بطلانها على الجديد وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي الفياض : أنه على شفعته إلى حلول الأجل ؛ لأن تأجيل الثمن قد جعل حق الطلب مقدرا به .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الأصح أن شفعته قد بطلت ؛ لأن طلبه قدر بمدة الأجل رفقا بالمشتري فصار من حقوقه لا من حقوق الشفيع .

                                                                                                                                            والحالة الثالثة : أن يدعو المشتري إلى تعجيل الثمن وتسليم الشقص فلا يلزم الشفيع ذلك على القولين معا ؛ لأن تعجيل المؤجل استزادة في الثمن ، والمشتري ممنوع من الاستزادة فيه . فلو قال المشتري أنا أحطه من الثمن بسبب التعجيل قدر ما بين الحال والمؤجل ، لم يجز لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه مفض إلى الربا ، والثاني : أن ما استحق تأجيله لم يلزمه تعجيله .

                                                                                                                                            والحالة الرابعة : أن يطالب الشفيع بالشقص مؤجلا ويؤخر الثمن إلى حلول الأجل فهي مسألة القولين : فعلى قوله في القديم : يجاب إلى ذلك إن كان ثقة ، أو يضمنه غير ثقة . فعلى هذا لو مات المشتري حل ما عليه من الثمن وإن لم يحل ما على الشفيع وكان باقيا إلى أجله ، ولو مات الشفيع حل ما عليه من الثمن وللمشتري أن يتعجله ، وما عليه باق إلى أجله .

                                                                                                                                            ولو كان المشتري قد دفع بالثمن رهنا لم يلزم الشفيع أن يدفع به رهنا ؛ لأن الرهن وثيقة في الثمن وليس من جملة الثمن ، وعلى قوله في الجديد : يمنع من الشقص إلى حلول الأجل ، والمشتري يمكن من التصرف فيه بما شاء من سكنى واستغلال وإجارة وبيع ما لم [ ص: 255 ] يستهلكه ؛ لأن تعلق حق الشفيع به لا يزيل ملك المشتري عنه أو لا يمنع من التصرف في ملكه إلا بما يفضي إلى إبطال حق الشفيع من الاستهلاك ، والإتلاف وليس البيع استهلاكا ؛ لأنه بعد البيع يقدر على أخذه بأي العقدين شاء .

                                                                                                                                            فلو مات المشتري حل ما عليه من الثمن وكان للشفيع أن يصير إلى حلول الأجل ولو مات الشفيع كان لورثته أن يصبروا إلى حلول الأجل ؛ لأنه لم يتعلق بذمته ما يحل بموته بخلاف القول الأول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية