الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني رحمه الله : والمسلم والذمي في الشفعة سواء " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، لا خلاف بين الفقهاء أن الشفعة تجب للمسلم على الذمي كوجوبها له على المسلم ، وتجب للذمي على الذمي كوجوبها للمسلم على المسلم واختلفوا في وجوبها للذمي على المسلم .

                                                                                                                                            فمذهب الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء إلى وجوب الشفعة للذمي على المسلم كوجوبها للمسلم على المسلم ، وحكي عن الحسن البصري ، وعامر الشعبي ، وعثمان البتي ، والحارث العكلي أنهم قالوا : لا شفعة للذمي على المسلم وبه قال أحمد بن حنبل استدلالا بقوله تعالى : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا [ النساء : 141 ] ، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا شفعة للذمي على المسلم ولأنه لما امتنعت دار الإسلام من إحياء الذمي للموات فأولى أن يمنع الإسلام من شفعة الذمي في الأملاك .

                                                                                                                                            ودليلنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم : الشفعة فيما لم يقسم ولأن ما جاز أن يملك به المسلم من [ ص: 303 ] المعاوضات جاز أن يملك به الذمي كالبياعات ، ولأن من ملك بالبيع ملك بالشفعة كالمسلم ، ولأن الحقوق الموضوعة لدفع الضرر في العقود يستوي فيها المسلم ، والذمي كالرد بالعيب ، ولأن ما تعلق بالشرك من إزالة الملك استوى فيه المسلم ، والذمي قياسا على عتق الذمي شركا له في عبد .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قوله : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا [ النساء : 141 ] ، فهو أن هذا السبيل على مال المسلم لا على المسلم ، وأما الجواب عن روايتهم في أنه لا شفعة لذمي على مسلم مع وهائه فهو أنه يحمل عليه إذا قال بعد إمساكه عن الطلب لم أعلم بها لكم شرعا ، وليست في ديننا شرعا فلا شفعة له ، ويحتمل أن لا يشفع في الأمان ، وأما قياسهم على إحياء الموات فالمعنى فيه أنه تفويت منفعة على المسلمين بغير بدل فمنع ، والشفعة مأخوذة ببدل ممكن . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية