الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن تزوج بها فهي للشفيع بقيمة المهر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . إذا تزوجها على شقص أصدقها وجبت فيه الشفعة ، وهكذا لو خالعها عليه وقال أبو حنيفة : لا شفعة فيه استدلالا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه مملوك بغير مال فلم تجب فيه الشفعة كالهبة ، والميراث .

                                                                                                                                            والثاني : أن البضع لا يقوم إلا في عقد ، أو شبه عقد وليس بين الشفيع وبينها ما يوجب تقويم بضعها .

                                                                                                                                            ودليلنا عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - الشفعة فيما لم يقسم ولأنه عقد معاوضة فجاز أن تثبت فيه الشفعة كالبيع ، ولأنه عقد يجري فيه الرد بالعيب فوجب أن تثبت فيه الشفعة كالبيع ولأنه معنى وضع لدفع الضرر عن الملك فوجب أن يثبت في الصداق كالرد بالعيب .

                                                                                                                                            ولأنه معنى يوجب زوال اليد المستحدثة عن المشتري فوجب أن يستحق زوال اليد عن الصداق كالاستحقاق ؛ ولأن كل عقد استحق فيه إقباض الشقص استحق به إقباضه شفعة كالبيع ؛ ولأن كل قبض وجب في عقد البيع وجب في عقد الصداق كالقبض الأول وبيانه أن في البيع قبضين :

                                                                                                                                            قبض المشتري من البائع وقبض الشفيع من المشتري ثم وجب في الصداق قبض الزوجية من الزوج فوجب قبض الشفيع من الزوجة .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قوله : إنه مملوك بغير مال ، فهو أن البضع في حكم الأموال لأمرين : أحدهما : أنه يعاوض عليه بمال .

                                                                                                                                            والثاني أنه مقوم في اغتصابه بالمال ، وما لم يكن مالا لم يقوم في استهلاكه بالمال ثم المعنى في الهبة ، والميراث أنه مملوك بغير بدل فلم تجب فيه الشفعة ، والصداق مملوك ببدل فوجبت فيه الشفعة .

                                                                                                                                            [ ص: 250 ] وأما الجواب عن قوله : إن البضع لا يقوم إلا في عقد ، أو شبه عقد : فهو أنه غير مسلم ؛ لأن المغتصبة مقومة البضع عندنا على غاصبها ، والمشهودة بطلاقها مقومة البضع على الشهود إذا رجعوا للزوج دونها فصار بضعها مقوما في غير عقد وشبهة في حقها ، وحق غيرها فلم يمنع من تقويمه في شفعة صداقها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية