الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إن كانت له شبهة فالشبهة قد تكون من وجوه ثلاثة :

                                                                                                                                            أحدها : الجهل بتحريم المغصوبة لحدوث إسلامه ، أو مقامه في بادية نائية عن الأمصار .

                                                                                                                                            والثاني : الجهل بعينها وظنه أنها أمة يملكها .

                                                                                                                                            والثالث : ما يختص بمالكها من أن تكون أمة لولده ، أو صداقا لزوجته ترى أنها لا تملك قبل الدخول إلا نصفها فإذا وطأ مع أحد هذه الشبه الثلاث سقط الحد عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ادرءوا الحدود بالشبهات وولدها لاحق ؛ لأن سقوط الحد بالشبهة جعلها فراشا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الولد للفراش ويكونوا أحرارا ؛ لأنهم ولدوا في شبهة ملك وعليه قيمتهم يوم سقطوا ؛ لأنه لولا شبهته لرقوا فصار بالشبهة مستهلكا لرقهم فضمن قيمتهم يوم الوضع ، والولادة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : عليه قيمتهم يوم الترافع إلى القاضي وهذا خطأ ؛ لأنه لم يجر عليهم رق بعد الرجوع بل علقت بهم أحرارا ولكن لتعذر قيمته عند العلوق اعتبرناها بعد الولادة والوضع فأما من وضعته ميتا فلا قيمة على الواطئ فيه بخلاف المولود ميتا من زنا في أحد الوجهين ، والفرق بينهما أنه مع الشبهة حر لا يضمن باليد حتى يعلم سبب ضمانه بغير اليد وهو في الزنا مملوك يضمن باليد فلو ضرب أجنبي بطنها فألقت جنينا ميتا كان مضمونا على الضارب بغرة عبد ؛ لأنه جنين حر ، والغرة للواطئ ؛ لأنه أب وعلى الواطئ للسيد عشر قيمة الأم المستحق في جنين مملوك فإن كانت الغرة مثل عشر قيمة الأم أخذها السيد إلا أن يفتديها الواطئ بعشر [ ص: 154 ] القيمة وإن كانت الغرة أكبر من عشر القيمة أخذ الواطئ الزيادة على العشر أرشا بالأبوة وإن كانت أقل غرم تكملة عشر القيمة فأما المهر ، والأجرة وأرش البكارة ونقص الولادة ، فعلى ما مضى مع عدم الشبهة ؛ لأن المهر معتبر بشبهة الموطوءة دون الواطئ ، والأجرة ، والنقص مضمونان باليد فلم تؤثر فيها الشبهة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : نقص الولادة غير مضمون عليه لدخوله فيما ضمن من قيمة الولد . وهذا خطأ ؛ لأن قيمة الولد معتبرة بنفسه فامتنع أن يدخل فيه نقص الأم ، وإنما يدخل النقص في قيمتها لو ضمنت بالتلف وهكذا لو ماتت بعد تسليمها بالوضع ، والولادة ضمن قيمتها قولا واحدا بخلاف موتها بالولادة من وطء غير الشبهة في أحد القولين .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أن ولد الشبهة لاحق به فكان سبب تلفها غير منقطع عن الغاصب حتى يحدث به التلف فضمنه وهو مع عدم الشبهة غير لاحق به فانقطع النسب عنه قبل التلف فلم يضمنه فهذا حكم وطء الغاصب في الحالتين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية