الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا مرت بهيمة رجل بقدر باقلاني فأدخلت رأسها فيه ، ولم يخرج إلا بكسر القدر ، أو ذبح البهيمة فلا يخلو حالها من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون صاحب القدر متعديا في وضعها في غير حق وصاحب البهيمة غير متعد فالواجب كسر القدر لتخليص البهيمة ويكون كسرها هدرا لتعديه بها .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون صاحب البهيمة متعديا لإدخالها في غير حق وصاحب القدر غير متعد فيكون تخليص البهيمة مضمونا على صاحبها لتعديه بها فإن كانت مما لا تؤكل كسرت القدر ؛ لأن لنفس البهيمة حرمة في حراستها ، ثم كسر القدر مضمون على صاحبها . وإن كانت مما تؤكل ، فعلى قولين بناء على جواز ذبحها في تخليص ما جنته :

                                                                                                                                            أحدهما : تذبح ويخرج رأسها من القدر ، ولا يجوز كسرها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يجوز ذبحها وتكسر القدر لتخليص رأسها ثم يضمن أرش كسرها .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون كل واحد منهما غير متعد فالتخليص مضمون على صاحب البهيمة لا بالتعدي ؛ لأنه لم يكن متعديا ولكن يريد استصلاح ملكه به فضمن مؤنة استصلاحه ، فإن لم تكن البهيمة مأكولة كسرت القدر وضمن كسرها وإن كانت مأكولة ، فعلى قولين :

                                                                                                                                            [ ص: 205 ] أحدهما : تذبح البهيمة ولا تكسر القدر .

                                                                                                                                            والثاني : تكسر القدر ويضمن الكسر .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يكون كل واحد منهما متعديا فالتخليص مضمون عليهما لاشتراكهما في التعدي كالمتصادمين . فإن كانت البهيمة غير مأكولة كسرت القدر وضمن صاحب البهيمة نصف الكسر وكان النصف الباقي هدرا . وإن كانت مأكولة فإن قيل لا يجوز ذبحها كسرت القدر وضمن صاحب البهيمة كسر القدر لا ضمان نصف كسرها . وإن قيل يجوز ذبحها فتنازعا فقال صاحب البهيمة تكسر القدر لأضمن نصف كسرها وقال صاحب القدر بل تذبح البهيمة لأضمن نصف النقص في ذبحها نظر البادئ منهما بطلب التخليص فجعل ذلك في جنبته فإن بدأ به صاحب البهيمة أجبر على ذبحها ورجع نصف نقصها ، وإن بدأ به صاحب القدر أجبر على كسرها ورجع بنصف نقصها فإن كانا ممسكين عن النزاع حتى تطاول بهما الزمان أجبر صاحب البهيمة على ذلك لأن عليه خلاص بهيمته ؛ لأنها نفس يحرم تعديتها وليس على صاحب القدر خلاص قدره إلا إذا شاء . وإن كانت البهيمة لا يوصل إلى منحرها لدخوله في القدر فلا يكون عقرها ذكاة لها ؛ لأنه قد يصل إلى منحرها بكسر القدر وإذا كان كذلك وجب كسر القدر لأن عقر البهيمة لغير الذكاة حرام . ثم يضمن صاحب البهيمة نصف الكسر وهكذا القول في فصيل دخل دارا فكبر فيها حتى لم يقدر على الخروج من بابها إلا بهدمه أو أترجة من شجرة دخلت في إناء كبرت فيه فلم تخرج إلا بكسره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية