الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا كان لهما بينة فلا يخلو حالهما من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون فيها بيان لإثبات الشفعة ، والثاني : أن يكون فيها بيان لإسقاط الشفعة . والثالث : أن لا يكون فيها بيان لإثبات ولا لإسقاط الشفعة ، والرابع : أن يعارض الإثبات الإسقاط .

                                                                                                                                            فأما القسم الأول : وهو أن يكون فيها بيان لإثبات الشفعة ، فعلى ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقيم أحدهما البينة أنه اشترى في المحرم ويقيم الآخر البينة أنه اشترى في صفر فتكون الشفعة للأسبق منهما شراء لتقديم ملكه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يقيم أحدهما البينة أنه اشترى في المحرم وأن صاحبه اشترى في صفر فيحكم له بالشفعة ، وإن انفرد بإقامة البينة لقوتها بتقدم ملكه على ملك صاحبه .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : أن يقيم أحدهما البينة أنه اشترى قبل صاحبه من غير أن يشهد بوقت العقدين . فقد قالأبو علي بن أبي هريرة : لا يحكم بهذه البينة ما لم يعين وقت العقدين ؛ لجواز الاشتباه . وهذا خطأ منه ؛ لأن تعين الوقت لا يفيد أكثر من تعين أحد العقدين بأنه أسبق من الآخر فإن أشهد بأن أحدهما أسبق من الآخر أجزأ وإن لم يعين الزمان وإنما يلزم تعيين ما يتعلق به الحكم إذا كان للاجتهاد فيه مدخل كالذي يكون فيه الجرح والتعديل .

                                                                                                                                            وأما القسم الثاني : وهو أن يكون فيها بيان لإسقاط الشفعة فهو أن يقيم كل واحد منهما [ ص: 295 ] بينة أنه عقد الشراء في وقت مثل وقت صاحبه مثل أن تشهد بينة كل واحد منهما أنه اشترى مع زوال الشمس من غرة المحرم فتدل البينتان على سقوط الشفعة في العقدين لوقوعهما معا وأنه ليس ثبوتها مع التساوي لأحدهما بأولى من ثبوتها عليه فسقطتا لتعارضهما .

                                                                                                                                            وأما القسم الثالث : وهو أن لا يكون فيها بيان الإثبات ، والإسقاط فقد تكون من أحد ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن لا يكون في واحد من البينتين تاريخ ، والثاني أن تؤرخ إحداهما دون الأخرى ، والثالث : أن تؤرخ كل واحدة من البينتين إلى وقت يمكن أن يتقدم فيه أحد العقدين على الآخر ، ويمكن أن يقعا معا مثل أن يقيم كل واحد منهما البينة أنه اشترى في غرة المحرم ، فغرته يوم كامل تسع لتقدم أحد العقدين على الآخر ، واحتمال أن يكون كل واحد منهما هو السابق ويحتمل أن يقع العقدان في حال معا ، فلم يكن في البينتين في هذه الأحوال الثلاث بيان لإثبات الشفعة ولإسقاطها فوجب أن تلغى البينتان لعدم البيان فيهما ، ويرجعان إلى التداعي ، والتحالف على ما مضى .

                                                                                                                                            وأما القسم الرابع : وهو أن تتعارض البينتان في الإثبات ، والإسقاط فهو أن يقيم أحدهما البينة أنه اشترى في المحرم وأن صاحبه اشترى في صفر ويقيم الآخر البينة أنه اشترى في المحرم ، وأن صاحبه اشترى في صفر ، أو يقيم أحدهما البينة أنه اشترى في أول يوم المحرم ، وأن صاحبه اشترى في ثانيه ويقيم الآخر البينة أنه اشترى في ثالث المحرم ، وأن صاحبه اشترى في رابعه فكل هذا تعارض ، وإن اختلفا في الأزمنة ؛ لأن كل واحدة من البينتين تشهد بتقدم أحد العقدين على الآخر ، وكان في تعارضهما في هذا الموضع ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : يسقطان ، ويتراجعان إلى اليمين ، والتحالف ، والقول الثاني : يوقفان إلى أن يظهر فيهما بيان ، ويمنعان من التحالف حتى يقع بيان ، والقول الثالث : الإقراع بين البينتين فأيهما قرعت حكم بها وفي إحلاف من قرعت بينته قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحلف إن قيل : إن القرعة دخلت ترجيحا للدعوى ، والقول الثاني : لا يحلف إن قيل : إن القرعة دخلت ترجيحا للبينة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية