الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والضرب الثاني : في الأصل ما كان عامرا من بلاد الإسلام ثم خرب حتى ذهبت عمارته ، واندرست آثاره فصار مواتا ، فقد اختلف الفقهاء في جواز تملكه بالإحياء على ثلاثة مذاهب : فمذهب الشافعي منها : أنه لا يجوز أن يملك بالإحياء ، سواء عرف أربابه ، أو لم يعرفوا .

                                                                                                                                            [ ص: 478 ] وقال مالك : يصير كالموات الجاهلي يملكه من أحياه سواء عرف أربابه ، أو لم يعرفوا .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن عرف أربابه فهو على ملكهم لا يملك بالإحياء ، وإن لم يعرفوا ملك بالإحياء : استدلالا بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا مواتا فهي له وحقيقة الموات : ما صار بعد الإحياء مواتا ، وما لم يزل مواتا فإنما يسمى مجازا ، قالوا : ولأن ما صار مواتا من العامر زال عن حكم العامر كالجاهلي ، ولأنه موات فجاز إحياؤه كسائر الموات : ودليلنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه وهذا مال مسلم .

                                                                                                                                            وروى عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد فهو أحق بها فجعل زوال الملك عن الموات شرطا في جواز ملكه بالإحياء ، فدل على أن ما جرى عليه ملك لم يجز أن يملك بالإحياء ، وروى أسمر بن مضرس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم فهو له مال ، قال : فخرج الناس تبعا يتخاطون ، وهذا نص ، ولأنها أرض استقر عليها ملك مسلم ، فلم يجز أن تملك بالإحياء كالذي بقيت آثارها مع مالك ، وكالذي تعين أربابها مع أبي حنيفة ، ولأن ما صار مواتا من عامر المسلمين لم يجز أن يملك بالإحياء كالأوقاف والمساجد .

                                                                                                                                            وأما استدلالهم بقوله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا مواتا فهي له فهو دليل عليهم : لأن الأول قد أحياها فوجب أن يكون أحق بها من الناس لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه أسبق .

                                                                                                                                            والثاني : أن ملكه قد ثبت باتفاق .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسهم على الجاهلي وعلى الذي لم يزل مواتا ، فالمعنى فيهما أنهما لم يجر عليهما ملك مسلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية