الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أن ليس للعامل زرعه بغير إذن ربه فزرعه فهو كمن زرع أرض غيره غصبا فيكون لرب الأرض أن يأخذه بقلعه ، ولا يجبر على تركه لقوله - صلى الله عليه وسلم - ليس لعرق ظالم [ ص: 368 ] حق ، وليس له أن يجبر الزارع على أخذ قيمة زرعه ، سواء كان قلع الزرع مضرا بأرضه أم لا .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان قلعه مضرا بالأرض أجبر الزارع على أخذ قيمته مقلوعا ، استدلالا برواية عطاء عن أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته ، ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : فليس له من الزرع شيء فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن معناه ليس له منه شيء إذا روضي على أخذ قيمته .

                                                                                                                                            والثاني : أنه ليس له حق في استيفائه ، وقوله : وله نفقته أي : زرعه ، ويحتمل أن يكون معناه أن نفقته هي من ماله لا يرجع بها على غيره .

                                                                                                                                            فإن قيل : إذا جعلتم ولد الأمة من زنا لسيدها دون الزاني بها لعدوانه لزمكم أن تجعلوا زرع الغاصب لرب الأرض دون الغاصب لعدوانه .

                                                                                                                                            قيل : الفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن زرع الغاصب من بذره يقينا فجعل له ، وولد الزاني من مائه ظنا لا يقينا فلم يجعله له .

                                                                                                                                            والثاني : أن بذر الزارع مال مملوك تجوز المعاوضة عليه ، فصار ما حدث عنه ملكا للغاصب ، وليس ماء الزاني موصوفا بالملك ، ولا تجوز عليه المعاوضة فلم يصر ما حدث عنه ملكا للزاني .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية