الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا مرت بهيمة رجل في سوق فابتلعت جوهرة رجل لم يخل حال البهيمة من أن يكون معها مالكها ، أو لا ، فإن لم يكن معها فلا ضمان عليه في الجوهرة ؛ لأنه غير ضامن لما جنته فلو سأله صاحب الجوهرة بيع البهيمة ليتوصل منها إلى أخذ الجوهرة ، أو يصيرا معا في ملكه لم يجبر المالك على البيع .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كانت قيمة الجوهرة أكثر من قيمة البهيمة أجبر صاحبها على أخذ قيمتها وإن كانت قيمة الجوهرة أقل لم يجبر وهذا فاسد استدلالا بقياسين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ما لا يستحق تملكه باستهلاك الأقل لم يستحق تملكه باستهلاك الأكثر قياسا على كسرها إناء ، أو أكلها طعاما .

                                                                                                                                            والثاني : أن ما لا يستحق تملكه مع تلف الشيء لم يستحق تملكه مع بقائه قياسا على ما قيمته أقل . وإن كان صاحبها معها كان ضامنا لها سواء كانت البهيمة شاة ، أو بعيرا ، وقال أبو علي بن أبي هريرة إن كانت البهيمة بعيرا ضمن وإن كانت شاة لم يضمن وفرق بينهما بأن العرف في البعير النفور فلزم منعه ومراعاته ، والعرف في الشاة السكون فلم يلزم منعها ومراعاتها ، وهذا خطأ ؛ لأن سقوط مراعاة الشاة إنما كان ؛ لأن المعهود منها الملامة فإن أفضت إلى غير السلامة لزم الضمان كما أبيح للرجل ضرب زوجته وللمعلم ضرب الصبي ؛ لأن عاقبته السلامة فإن أفضى الضرب بها إلى التلف ضمنا فإذا ثبت أن ذلك مضمون عليه نظر في البهيمة فإن كانت غير مأكولة لزمه غرم القيمة لتحريم ذبحها وتعذر الوصول إليها وإن كانت مأكولة ، فعلى ما مضى من القولين :

                                                                                                                                            أحدهما : تذبح عليه وتؤخذ الجوهرة من جوفها .

                                                                                                                                            والثاني : لا يجوز ذبحها وتؤخذ منه قيمة الجوهرة . فعلى هذا لو ماتت البهيمة ، أو ذبحها [ ص: 203 ] لمأكلة فوصل إلى الجوهرة رجع بها المالك ورد ما أخذه من القيمة كما لو أخذ قيمة آبق ثم وجده ، والفرق بين هذا وبين أن يأخذ قيمة ماله ، مثل عند عدم المثل ، ثم يجد المثل فيستقر ملكه على القيمة ، ولا يرجع بالمثل وكذا لو سافر عن عبد غصبه بالبصرة فالتقى بمالكه بمكة فأخذ منه قيمة العبد بالبصرة ثم قدما إلى البصرة بعد أخذ القيمة استقر ملكه على القيمة ، ولا يرجع بالعبد هو أن جواز اتفاقهما على ذبح البهيمة لأخذ ما فيها من الجوهرة حرام فكان أخذ القيمة ضرورة فإذا حصلت الجوهرة زالت الضرورة وليس كذلك إذا اتفقا على القدوم إلى البلد الذي فيه المغصوب ، والصبر على أن يأتي بمثل ذي المثل ، فيجوز ولا يحرم ، فلم يكن فيه ضرورة يعتبر زوالها في الرجوع فصار أخذ القيمة في أربعة مواضع يرجع في موضعين منها بالأصل عند القدرة ، وهي الآبق إذا ظهر ، والعدول إلى المغصوب بعد أخذ القيمة . ولا يرجع في موضعين منها بالأصل عند القدرة عليه وهما : المثل إذا وجد بعد أخذ القيمة والقدوم إلى بلد المغصوب الباقي بعد أخذ القيمة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية