الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما ما يكترى للحمولة فيحتاج إلى شرط واحد ، وهو أن يكون المتاع المحمول معلوما ، ولا يحتاج إلى ذكر جنس المركوب وصفته بخلاف الركوب : لأن أغراض الناس في [ ص: 413 ] ركوبهم مختلفة ؛ فمنهم من يستقبح ركوب الحمير من الدواب والعراب من الإبل ، ولا يرضى إلا بركوب الخيل من الدواب والبخاتي من الإبل ، ومنهم من لا يستقبح ذلك ولا يرضاه فاحتاج إلى ذكر جنس المركوب . وأما الحمولة فالقصد منها إيصالها إلى البلد المقصود ، وليس له غرض يصح في اختلاف ما يحمل عليه فلم يحتج إلى ذكر جنسه . وإذا كان الشرط المعتبر بعد ذكر البلد المقصود أن تكون الحمولة معلومة فقد تصير معلومة بواحد من أمرين : هما المشاهدة أو الصفة ، فإن شاهد الحمولة صارت معلومة وإن لم يقف على قدر وزنها ، كما لو شاهد الصبرة المبيعة صح البيع وإن لم يعلم قدر كيلها .

                                                                                                                                            وفيه قول آخر أنه لا تصح الإجارة حتى تكون معلومة القدر والوزن عندهما مع المشاهدة مخرج من دفع الدراهم جزافا في السلم هل يصح أم لا ؟ على قولين . كذلك هذا : لأن عقد الإجارة والسلم جميعا غير منبرم بخلاف البيع .

                                                                                                                                            وإن لم يشاهد الحمولة ووصفت صح ، واحتاجت في الصفة إلى شرطين :

                                                                                                                                            أحدهما : ذكر الجنس من قطن ، أو حديد ، أو حنطة ، أو ثياب .

                                                                                                                                            والثاني : ذكر الوزن وأنه مائة رطل وإن كان مكيلا جاز أن يذكر قدره كيلا كالبيع وإن كان الوزن فيه أحوط والعرف فيه أكثر ، فلو كان المحمول زادا فذكر وزنه ولم يذكر أجناسه لم يجز لاختلاف كل جنس ، فإن ذكر كل جنس وقدره من كعك ودقيق وتمر وسويق جاز ، ثم إن كان مما لا يستغني عن ظروف فلا بد من أن تكون الظروف معلومة إلا أن تكون داخلة في وزن المتاع المحمول فيجوز أن تجهل .

                                                                                                                                            وإن تميزت عنه فلا بد من العلم بها ، وقد يكون ذلك بالمشاهدة تارة وبالصفة أخرى ، فإن أطلقها ولم يذكر الجنس لم يجز ، وإن ذكر الجنس من غير صفة فإن كان الجنس مختلفا لم يجز وإن كان الجنس متفقا متقاربا كالغرائز الجبلية جاز ، فإن استأجره لحمل قطن فأراد أن يحمل مكانه حديدا لم يجز : لأن الحديد يجتمع على جنب البعير فيضغطه ، والقطن يتجافى عنه وهكذا لو استأجره لحمل حديد فأراد أن يحمل مكانه قطنا لم يجز : لأن القطن لتجافيه تستقبله الرياح فيشق على البعير وليس كذلك الحديد لاجتماعه وصغره ولكن لو استأجر لحمل حنطة جاز أن يحمل غيرها من الحبوب التي تقارب الحنطة كالشعير والعدس كما جاز في الركوب أن يبدل الراكب مثله ، وعلى هذا لو استأجر ليركب على سرج فركب عريا لم يجز : لأن ركوب البهيمة عريا يضر بها ولو استأجر ليركب عريا فركب على سرج لم يجز : لأنه زيادة حمولة لم يشترطها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية