الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثاني وهو أن يأذن له في مقارضة غيره ، ولا يأذن له في العمل بنفسه ، فهذا وكيل في عقد القراض مع غيره ، فلم يجز أن يقارض نفسه ، كالوكيل في البيع لا يجوز له أن يبايع نفسه ، ثم ينظر :

                                                                                                                                            فإن كان رب المال قد عين له من يقارضه لم يجز أن يعدل عنه إلى غيره ، وإن لم يعينه اجتهد برأيه فيمن يراه أهلا لقراضه من ذوي الأمانة والخبرة .

                                                                                                                                            فإن قارض أمينا غير خبير بالتجارة لم يجز ، وإن قارض خبيرا بالتجارة غير أمين لم يجز حتى يجتمع الشرطان فيه : الخبرة ، والأمانة .

                                                                                                                                            فإن عدل عما وصفنا فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعدل إلى مقارضة نفسه .

                                                                                                                                            [ ص: 340 ] والثاني : أن يعدل إلى مقارضة غير من عينه رب المال .

                                                                                                                                            فإن عدل إلى مقارضة نفسه فعليه ضمان المال ؛ لأن ائتمانه على المال إنما كان على مقارضته على غيره لا على التجارة به ، فصار لأجل ذلك متعديا ضامنا ، ولا حق له في ربح المال ، ويكون جميع الربح لرب المال سواء قيل إن ربح المغصوب يكون لرب المال ، أو للغاصب ؛ لأنه إن قلنا إنه للمغصوب منه فلا حق له فيه ، وإن قلنا إنه للغاصب فقد صار بمقارضته نفسه مشتريا لرب المال ، فلم يكن له مع القولين معا حق في الربح ، ولا أجرة له على رب المال ؛ لأنه صار متطوعا بعمل لم يؤمر به .

                                                                                                                                            وإن عدل إلى مقارضة غير من عينه رب المال كان ضامنا للمال بعدوانه ، وكان العامل فيه ضامنا له بيده ؛ لأن من أقر يده على مال مضمون ضمنه ، كمن استودع مالا مغصوبا ، ويكون جميع ربحه لرب المال قولا واحدا ؛ لأن العامل ما اشترى لنفسه ، ولا رجوع للعامل على رب المال بأجرة عمله ، وهل يرجع بها على الوكيل الغار له أم لا ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قولين في الزوج المغرور هل يرجع من غره بالذي غرمه ؟ .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية