الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن التعزير ليس بواجب فحدث عنه التلف فالإمام ضامن له وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا ضمان استدلالا بأن زواجر الإمام غير مضمونة عليه كالحدود . ودليلنا ما روي أن عمر - رضي الله عنه - بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها رسولا فأسقطت . فقال لعثمان وعبد الرحمن ما تقولان ؟ فقالا : لا شيء عليك ، وإنما أنت مؤدب ، فأقبل على علي عليه السلام فقال : ما تقول ؟ فقال : إن كانا ما اجتهدا فقد غشا ، وإن كانا قد اجتهدا فقد أخطآ . عليك الدية ، فقال : عزمت عليك لا تبرح حتى تضربها على قومك يعني على قريش : لأنهم عاقلته . وروي عن علي عليه السلام أنه قال : ما أحد أقيم عليه الحد فيموت فأجد في نفسي منه شيئا ألحق قتله ، إلا شارب الخمر ، إنه رأي رأيناه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن مات منه فديته على عاقلة الإمام ، أو قال : في بيت المال يعني فيما زاد على الأربعين الذي رآه للمصلحة اختيارا ، وتلك الزيادة تعزير .

                                                                                                                                            ولأنه ضرب غير محدود الطرفين على فعل متقدم ، فوجب أن يتعلق به الضمان عند [ ص: 436 ]

                                                                                                                                            التلف كضرب الزوج والمعلم ، ولا يدخل عليه من دفع إنسانا عن نفسه أو ماله : لأنه ليس على فعل متقدم ، فأما الحدود الواجبة فلا يتعلق بها ضمان لما عليه من استيفائها ، وأن الضمان يمنع الإقدام عليها . فإذا ثبت وجوب الضمان من التعزير ، فأن تكون الدية على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : على عاقلة الإمام لحديث عمر وقوله لعلي : عزمت عليك لا تبرح حتى تضربها على قومك ، فعلى هذا تكون الكفارة في ماله .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن الدية في بيت المال : لأنه نائب فيه عن كافة المسلمين ، فاقتضى أن يكون ما حدث عنه من الضمان في بيت مالهم ، فعلى هذا في الكفارة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : في بيت المال أيضا . والثاني : في ماله ويكون تأويل فعل عمر في تحصيل الدية لعاقلته ؛ أنه لم يكن في بيت المال مال فعاد إلى عاقلته كما أن من وجبت الدية على عاقلته إذا عدموا جعلت في بيت المال ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية