الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا تبايعا بهيمة وابتلعت ثمنها فهذا على ضربين : أحدهما : أن يكون ذلك بعد قبض الثمن فالبيع صحيح سواء كان الثمن معينا ، أو في الذمة أبرأه المشتري منه بالدفع ، ثم ينظر في البهيمة فإن كانت في يد البائع بثمن غير مضمون ؛ لأن ما جنته في يده مضمون عليه ، والثمن ملك له وعليه تسليم البهيمة ، فإن قدر على الثمن بموت أو بذبح اختاره المشتري لمأكله ، رد على البائع وإن كانت البهيمة في يد المشتري فالثمن مضمون عليه للبائع فإن كانت غير مأكولة غرم مثله ، وإن كانت مأكولة فهل تذبح لأخذ الثمن منها أم لا على ما مضى من القولين .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تبتلع الثمن قبل قبضه . فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون في الذمة لم يتعين بالعقد فالبيع لا يبطل وهو باق في ذمة المشتري ثم ينظر فإن كانت البهيمة عند ذلك في يد المشتري فما ابتلعه غير مضمون على واحد منهما أما البائع فلزوال يده بالتسليم وأما المشتري فلأنه ماله وجناية البهيمة من ضمانه ، وإن كانت في يد البائع فهو مضمون عليه ، فإن كانت البهيمة مما لا تؤكل لزمه غرم مثله ، فعلى هذا يكون له الثمن وعليه مثله يتقاضاه ، وإن كانت البهيمة مأكولة فهل تذبح أم لا ؟ على القولين ، فإن قيل لا تذبح لزم غرم مثل الثمن وتقصاه ، ولا خيار للمشتري في فسخ البيع وإن قيل تذبح لم يجز أن يتقصاه ؛ لأن وجود عينه يمنع من استقراره في ذمة البائع ، والعين لا تكون قصاصا من الذمة ، فعلى هذا يستحق المشتري الخيار في فسخ البيع ؛ لأن ذبح البهيمة قد استحق في يد البائع وذلك عيب حادث وهو مضمون عليه فلأجله ما استحق المشتري خيارا به ، وإن كان هو المستحق لما أوجب العيب .

                                                                                                                                            [ ص: 204 ] والضرب الثاني : أن يكون الثمن معينا فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون البهيمة غير مأكولة فالبيع باطل ؛ لأن تلف الثمن المعين قبل قبضه مبطل للبيع وهو متعذر القدرة عليه كالتالف ، ثم ينظر فإن كانت البهيمة في يد المشتري . فهو تالف من ماله ، والبائع غير ضامن له وعلى المشتري رد البهيمة على البائع فإن قدر على الثمن بموتها رد على المشتري وإن كانت البهيمة في يد البائع فالثمن مضمون عليه ويغرم مثله .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تكون البهيمة مأكولة ففي بطلان البيع قولان بناء على اختلاف قوليه في ذبحها فيما ابتلعته فإن قيل لا تذبح فالبيع باطل لتلف الثمن المعين فيه ويكون الضمان على ما ذكرنا من أنها إن كانت في يد المشتري فلا ضمان ، وإن كانت في يد البائع فعليه الضمان . وإن قيل تذبح فالبيع لا يبطل ؛ لأن الثمن المعين مقدور عليه ثم ينظر ، فإن كانت البهيمة في يد المشتري ذبحت ودفع الثمن إلى البائع ، ولا خيار للمشتري في فسخ البيع ؛ لأنه عيب حدث في يده وإن كانت في يد البائع ذبحت وكان للمشتري الخيار في فسخ البيع بحدوث العيب في يد البائع . فإن كف البائع عن ذبحها لم يسقط خيار المشتري ؛ لأنه لو طالب به من بعد لا يستحقه ، ولو أبرأ المشتري منه لم يجز ؛ لأن البراءة من الأعيان لا تصح ولو وهبه لم يجز ؛ لأنها هبة ما لم يقبض ، وخيار المشتري في الأحوال كلها على حاله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية