الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أقر أن ابن هذه الأمة ولده منها ، ولا مال له [ ص: 32 ] غيرها ثم مات فهو ابنه وهما حران بموته ، ولا يبطل ذلك بحق الغرماء الذي قد يكون مؤجلا ويجوز إبطاله بعد ثبوته ، ولا يجوز إبطال حرية بعد ثبوتها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في رجل يملك أمة ذات ولد فقال في مرضه : هذا ابن هذه الأمة ولدي منها ، وعليه ديون تحيط بقيمتها فقد صار الولد لاحقا به إن لم تكن الأمة فراشا لغيره ، وهو حر ؛ لأنه لا يثبت لأحد رق على ولده ، ثم لا يخلو حاله في الأم من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقول في إقراره ببنوته أني استولدتها في ملكي .

                                                                                                                                            والثاني : أن يقول استولدتها في عقد نكاح .

                                                                                                                                            والثالث : أن يقول استولدتها بوطء شبهة .

                                                                                                                                            والرابع : أن يطلق .

                                                                                                                                            فإن قال استولدتها في ملكي صارت أم ولد له بإقراره تعتق عليه بموته ، والولد خلق حرا لم يجر عليه رق وسواء خرجا من الثلث أم لا صدق الغرماء أم كذبوا وإنما كان كذلك فإن كان له قول يقع به العتق في المرض لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الإقرار بالعتق في المرض أوكد من إيقاع العتق في المرض ؛ لأنه لو أقر في مرضه بعتق عبد في صحته نفذ إقراره ونجز عتقه ولو ابتدأ عتقه في هذه الحال ، والديون محيطة بقيمته بطل عتقه ولو ثبت أنه استولدها في مرضه كان ولده حرا وصارت له أم ولد فلأن تصير كذلك بإقراره عن فعل الصحة أولى .

                                                                                                                                            والثاني : وهو تعليل الشافعي أنه لما تعارض فيها حكمان أحدهما موجب لعتقها وهو الإقرار ، والثاني موجب لرقها وهو الديون وجب إثبات أوكدهما ، والعتق أوكد من ديون الغرماء ؛ لأنه لا يجوز إبطال عتق بعد ثبوته ويجوز إسقاط الديون بالإبراء منها بعد ثبوتها ، فلهذين صارا بموته حرين ، فإن قيل فلم قال الشافعي : وهما حران بموته ، والولد حر قبل موته ؛ لأنه خلق حرا لم يجر عليه رق ؟ قيل معناه : أن الحرية اجتمعت فيهما بموته وقبل الموت ما اجتمعت فيهما وإنما كانت في أحدهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية