الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني رحمه الله تعالى : " ولو عمل فيها العامل فأثمرت ثم استحقها ربها أخذها وثمرها ، ولا حق عليه فيما عمل فيها العامل . لأنها آثار لا عين ورجع العامل على الدافع بقيمة عمل فإن اقتسما الثمرة فأكلاها ثم استحقها ربها رجع على كل واحد منهما بمكيلة الثمرة وإن شاء أخذها الدافع لها ورجع الدافع على العامل بالمكيلة التي غرمها ورجع العامل على الذي استعمله بأجر مثله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في رجل ساقى رجلا على نخل في يده ، ثم استحقت النخل من يد العامل فلا يخلو حال العامل بعد استحقاق النخل من يده من أن يكون قد عمل فيها عملا أم لا ، فإن لم يكن قد عمل فيها عملا فلا شيء له على المساقي ، ولا على رب النخل ، وإن عمل فيها عملا فلا يخلو حال النخل من أن تكون قد أثمرت ، أو لم تثمر ، فإن لم تكن قد أثمرت استرجعها ربها ، ولا شيء له سواها ، وللعامل على المساقي أجرة مثل عمله ؛ لأنه قد فوت عليه عمله على عوض فاسد ، فوجب أن يرجع بقيمة العمل ، وهو أجرة المثل . وإن أثمرت النخل فلا يخلو حال الثمرة من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تكون حصة كل واحد منهما باقية بيده ، فيرجع رب النخل على كل واحد من العامل والمساقي بما حصل بيده من الثمرة ؛ لأن نماء المغصوب حادث على ملك ربه ، دون غاصبه . ثم للعامل أن يرجع على المساقي بأجرة مثل عمله لتفويته ذلك عليه ، فإن [ ص: 384 ] قيل : فاستحقاق الثمرة جار مجرى تلفها ، وتلف الثمرة لا يوجب عليه رجوع العامل على المساقي بأجرة عمله ، قيل : إنما يمتنع رجوعه بالأجرة عند تلف الثمرة لصحة العقد ، واستحق الرجوع بالأجرة عند استحقاق النخل لفساد العقد .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تكون حصة كل واحد منهما قد استهلكها ، فلرب المال أن يرجع على كل واحد منهما ، فإن كانا قد استهلكاها بسرا ، أو رطبا ، أو تمرا مكنوزا رجع بقيمتها ، وإن كانا قد استهلكاها تمرا بثا رجع بمثلها ؛ لأن للتمر البث مثلا ، وليس لغير البث مثل ، ثم رب النخل بالخيار بين أن يرجع على كل واحد منهما بمثل ما استهلكه ، وبين أن يرجع على المساقي بمثل جميع الثمرة فإن رجع على كل واحد منهما بمثل ما استهلكه فلا تراجع لأحد منهما على صاحبه بشيء من الثمرة ، وإنما يرجع العامل على المساقي بأجرة مثل عمله لتفويته إياه عليه ، وإن رجع على المساقي بجميع الثمرة رجع المساقي على العامل بمثل ما استهلكه منها ، ورجع العامل على المساقي بأجرة مثله .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تكون حصة المساقي باقية بيده ، وحصة العامل مستهلكة فيرتجع رب النخل ما بيد المساقي من الثمرة ، ثم هو فيما استهلكه العامل مخير بين أن يرجع به على العامل ، ولا يرجع به العامل على المساقي ، ولكن يرجع بأجرة مثله ، وبين أن يرجع به على المساقي ويرجع المساقي به على العامل ويرجع العامل بأجرة مثله على المساقي .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن تكون حصة المساقي مستهلكة ، وحصة العامل باقية بيده فيرجع رب النخل على العامل بما بيده من الثمرة ؟ ويرجع على المساقي بما استهلكه منها ، ولا يجوز أن يرجع به على العامل ؛ لأن العامل يضمن باليد فلم يلزمه إلا ضمان ما حصل بيده ، والمساقي يضمن بالعدوان فلزمه ضمان ما حصل بعد عدوانه ثم للعامل أن يرجع على المساقي بأجرة مثله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية