الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر جواز الارتفاق بما وصفنا فهو على ثلاثة أضرب : ضرب يختص الارتفاق فيه بالصحاري والفلوات ، وضرب يختص الارتفاق فيه بأقنية المنازل والأملاك ، وضرب يختص الارتفاق فيه بأقنية الشوارع والطرقات .

                                                                                                                                            فأما الضرب الأول وهو ما يختص الارتفاق فيه بالصحاري والفلوات ، كمنازل المسافرين إذا حلوا في أسفارهم بمنزل استراحة ، فلا نظر للإمام عليهم فيه لبعده عنهم [ ص: 494 ] ويجوز لهم النزول حيث لا يضرون المجتاز ، ولا يمنعون سائلا ثم لهم الماء والمرعى من غير منع ولا حمى ، وهكذا البادية إذا انتجعوا أرضا طلبا للماء والكلأ مكثوا فيها ، ولم يزالوا عنها وليس لهم أن يمنعوا غيرهم من انتجاعها ورعيها إلا أن يضيق بهم ، فيكون السابقون إليها أولى بها ممن جاء بعدهم روى يوسف بن ماهك ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا نبني لك بمنى بناء يظللك من الشمس فقال : لا ، إنما هو مناخ من سبق إليه ، فلو ضاق المنزل عن جميع من ورد إليه نزلوا فيه بحسب مسيرهم إليه يترتبون النزول كما كانوا مترتبين في المسير ، فمن قصر عنهم عن لحوق المنزل نزل حيث بلغ ، ولو ضاق بهم الماء فإن كانوا لو تواسوا به عما لزمهم أن يتواسوا فيه ومنعوا من أن يحوز بعضهم أكثر من حاجته ، وإن ضاق عن مواساتهم فيه كان الأسبق إليه أحق بقدر كفايته عنهم ، فإن غلب عليه المسبوق لم يسترجع منه : لأنه قد ملكه بالإحازة بعد أن كان مباحا ، وإن جاءوا إليه على سواء لم يسبق بعضهم بعضا وهو ينقص عن كفايتهم اقترعوا عليه ، فأيهم قرع كان أحق بما يمسك رمقه حتى يرتوي الآدميون ، وليس لمن قرع منهم أن يقدم بهائمه على ارتواء الآدميين ، فإذا ارتوى الآدميون جميعا استؤنفت القرعة بين البهائم ، ولم يحملوا على القرعة المتقدمة : لأنهما جنسان يختلف حكمهما ، وهل تستأنف القرعة على أعيان البهائم ، أو على أعيان أربابها ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تستأنف على أعيان أربابها تغليبا لحرمة الملك ، فعلى هذا إذا قرع أحد أرباب البهائم يسقي جميع بهائمه ثم هكذا من قرع بعده .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن القرعة تستأنف على أعيان البهائم تغليبا لحرمتها ، وسواء في ذلك ما يؤكل لحمه أو لا يؤكل ، وهذا أصح الوجهين . لأن حرمة النفس أعظم من حرمة الملك ، فعلى هذا إن قرعت القرعة مال رجل مر تقديما لمن قرع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية