الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : " والإقرار في الصحة ، والمرض سواء يتحاصون معا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا أقر لرجل بدين في صحته وأقر لآخر بدين في مرضه فكلا الحقين لازم ، فإن اتسع ماله لقضائهما قضيا معا وإن ضاق ماله عنهما كان فيه سواء وتساوى غريم المريض وغريم الصحة فيقتسمان المال بالحصص . وقال أبو حنيفة : يقدم غريم الصحة على غريم المرض فإن لم يفضل عنه شيء تفرد بأخذ المال كله وإن فضل عنه فضلة أخذها غريم المرض بعد استيفاء غريم الصحة جميع دينه .

                                                                                                                                            استدلالا بأن التصرف في حالة الصحة أوكد وأقوى من التصرف في حال المرض لنفوذ [ ص: 29 ] عطاياه في الصحة وردها في المرض فاقتضى أن يكون الإقرار في حالة الصحة مقدما على الإقرار في حال المرض ، ولأن ديون الغرماء تصير بالمرض متعلقة بعين المال لمنعه من هبته فصار إقراره في مرضه بعد تعلق ديون غرماء الصحة به فلم يجز أن يساويهم فيه ، ولأن المرض قد أوقع عليه في التصرف حجرا ، والإقرار قبل الحجر مقدما على الإقرار بعده .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أن كل إقرار نفذ في جميع المال كان لزومه في المرض ، والصحة سواء .

                                                                                                                                            أصله إذا أقر بثمن سلعة في يده ، أو بمهر لزوجته ، ولأنه قول يلزم به الخروج من الحق فوجب أن يستوي في الصحة ، والمرض كالشهادة ، ولأن كل حق يستوي حكمه في الصحة ، والمرض إذا ثبت بالبينة وجب أن يستوي حكمه في الصحة ، والمرض إذا ثبت بالإقرار قياسا على الإقرار بالنسب ، ولأن كل حال يستوي فيهما ثبوت النسب بالبينة ، والإقرار وجب أن يستوي فيها ثبوت الدين بالبينة ، والإقرار كالصحة ، ولأن المرض لا يحدث حجرا في الإقرار بدلالة نفوذه فيما زاد على الثلث فوجب أن يستوي فيه حال الصحة ، والمرض .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلالهم بقوة تصرفه في الصحة على تصرفه في المرض فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : فساده لما ثبت بالبينة حيث استوى فيه حال الصحة ، والمرض .

                                                                                                                                            والثاني : أنه مسلم في العطايا التي للورثة الاعتراض عليها فيما دون الإقرار الذي لا اعتراض للورثة فيه .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلالهم بأن الديون بالمرض تصير متعلقة بعين المال فهو أنه غير مسلم ؛ لأن تلف المال لا يبطل ديونه وثبوت غير ديونهم بالبينة لا يمنع من مشاركتهم وإنما تصير ديونهم بالموت متعلقة بعين المال دون المرض .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بأن المرض قد أوقع عليه حجرا فهو أن حجر المرض واقع عليه في غير الإقرار ، والحجر فيما سوى المرض واقع في الإقرار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية