الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني رضي الله عنه : " وإن وكله ببيع سلعة فباعها نسيئة كان له نقض البيع بعد أن يحلف ما وكله إلا بالنقد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال وقد ذكرنا أن الوكيل ليس له أن يبيع بالنسيئة إلا بصريح إذن من موكله وأن إطلاق إذن الموكل يقتضي تعجيل الثمن بخلاف قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك تعلقت هذه المسألة بأربعة فصول :

                                                                                                                                            فالفصل الأول : أن يأذن له في بيعه بالنقد فيبيعه بالنسيئة .

                                                                                                                                            والفصل الثاني : أن يأذن له في بيعه بالنسيئة فيبيعه بالنقد .

                                                                                                                                            والفصل الثالث : أن يأذن له في الشراء بالنقد فيشتري بالنسيئة .

                                                                                                                                            [ ص: 554 ] والفصل الرابع : أن يأذن له في الشراء بالنسيئة فيشتري بالنقد .

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول وهو أن يأذن له في البيع بالنقد فيبيع بالنسيئة فللوكيل والمشتري أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يصدقاه على أن إذنه كان بالنقد فلا يميز على الموكل لتصديقهما له بذلك ويكون البيع على مذهب الشافعي في الجديد والصحيح من مذهبه القديم باطلا ، أجازه الموكل أو لم يجزه لوقوعه على غير الوجه المأذون فيه ، فعلى هذا إن لم يكن من الوكيل التسليم فلا ضمان عليه ولا على المشتري ، وإن سلم ذلك إلى المشتري كان كل واحد من الوكيل والمشتري ضامنا ، أما الوكيل فلتعديه بالدفع ، وأما المشتري فلعلتين :

                                                                                                                                            أحدهما : حصول يده على ما لزم ضمانه .

                                                                                                                                            والثانية : قبضه عن بيع فاسد .

                                                                                                                                            فإن كان المبيع باقيا استرجعه الموكل من يد المشتري وله أن يأخذ الوكيل باسترجاعه .

                                                                                                                                            وإن كان تالفا فله أن يرجع بالقيمة دون الثمن على من شاء من الوكيل أو المشتري ، فإن رجع بها على الوكيل رجع الوكيل بها على المشتري لحصول التلف في يده ، وإن رجع بها على المشتري لم يرجع المشتري بها على الوكيل إلا أن يكون قد دفع إليه الثمن فيرجع به .

                                                                                                                                            وكان ابن أبي هريرة يخرج في صحة البيع وجها في القديم ، حيث قال الشافعي فيه : إن الغاصب إذا أجر ما غصبه كان المالك بالخيار بين إمضاء الإجارة وأخذ المسمى وبين فسخها والمطالبة بأجرة المثل ، فجعل الموكل على هذا الوجه مخيرا بين إمضاء البيع ومطالبة المشتري بالثمن وبين فسخه واسترجاع المبيع إن كان باقيا أو القيمة إن كان تالفا .

                                                                                                                                            فإن أمضيا البيع فله مطالبة المشتري به دون الموكل ، وإن فسخ فله مطالبة أيهما شاء بالقيمة وأنكر باقي أصحابنا هذا التخريج .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن يكذبه الوكيل والمشتري ويزعمان أنه أذن في بيع النسيئة فالقول قول الموكل مع يمينه لأن الإذن من جهته فكان الرجوع إليه في صفته ، ويحلف لهما يمينا واحدة لأنهما أكذباه في شيء واحد .

                                                                                                                                            فإذا حلف فإن كان المبيع باقيا استرجعه وإن كان تالفا يرجع بالقيمة على من شاء من الوكيل والمشتري لكونهما ضامنين بما بينا ، فإن رجع بالقيمة على المشتري رجع المشتري على الوكيل بالثمن إن كان قد أقبضه إياه ، سواء زاد على القيمة أو نقص منها .

                                                                                                                                            وإن رجع الموكل بالقيمة على الوكيل ، فإن كانت أقل من الثمن رجع بها على المشتري ، وإن كانت أكثر من الثمن لم يرجع على المشتري بما زاد في القيمة على قدر الثمن لأنه مقر : الموكل ظالم بها ، فلم يجز أن يرجع بها على غير من ظلمه .

                                                                                                                                            [ ص: 555 ] والحالة الثالثة : أن يصدقه الوكيل ويكذبه المشتري ، فإن كان المبيع باقيا فليس له الرجوع به إلا بعد يمينه لأنه في يد المشتري المكذب ، وإن كان تالفا فله القيمة .

                                                                                                                                            وإن أراد الرجوع بها على الوكيل لم يحتج إلى يمين لتصديقه له .

                                                                                                                                            وإن أراد الرجوع بها على المشتري فلا بد من اليمين لتكذيبه له .

                                                                                                                                            والحالة الرابعة : أن يصدقه المشتري ويكذبه الوكيل ، فإن كان المبيع باقيا فلا يمين عليه لأنها في يد المشتري المصدق له ، وإن كان تالفا فله القيمة .

                                                                                                                                            فإن أراد الرجوع بها على المشتري لم يحتج إلى يمين لتصديقه له .

                                                                                                                                            وإن أراد الرجوع بها على الوكيل فلا بد من يمين لتكذيبه له ، هذا حكم الفصل الأول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية