الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما المسألة الثالثة فهو أن يقول : له علي كذا وكذا فهذا إقرار بشيئين لدخول واو العطف بينهما ، وهكذا لو قال : له علي كذا ثم كذا كان إقراره بشيئين ، ولو قال : له علي كذا بل كذا ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون إقرارا بشيء واحد ، ويكون الثاني إثباتا للأول .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يكون إقرارا بشيئين ؛ لأنه لا يسوغ في اللسان أن يقول رأيت زيدا بل زيدا ، يعني الأول ، وإنما يصح إذا عنى غيره .

                                                                                                                                            فإن ضمه إلى ذكر الدراهم فقال : له علي كذا وكذا درهما بالنصب ، أو درهم بالخفض ، قال الشافعي : هاهنا يلزمه درهمان وحكى المزني عنه أنه قال في موضع آخر : إنه يلزمه درهم واحد .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا في ذلك لاختلاف جوابه على أربع طرق :

                                                                                                                                            إحداها : وهي طريقة المزني أن المسألة على قولين : [ ص: 28 ] أحدهما : يلزمه درهم ؛ لأن كذا وكذا شيئان فأوجب تفسيرهما بالدرهم أن يكونا درهمين .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو اختيار المزني يلزمه درهم واحد ؛ لأن كذا يقع على أقل من درهم فيصير الشيئان درهما .

                                                                                                                                            والطريقة الثانية : وهي طريقة أبي إسحاق المروزي أن اختلاف نصه في موضعين لاختلاف إعراب الكلامين فقوله هاهنا عليه درهمان إذا قاله منصوبا ، وقوله في الموضع الآخر عليه درهم واحد إذا قاله مرفوعا .

                                                                                                                                            والطريقة الثالثة : وهي طريقة أبي علي بن أبي هريرة أن اختلاف نصه لاختلاف لفظه ، فقوله : هاهنا عليه درهمان إذا ذكر بينهما الواو فقال : له علي كذا وكذا درهما ، وقوله في الموضع الآخر ، عليه درهم واحد إذا لم يذكر بينهما الواو فقال : له علي كذا وكذا ، أو شك الحاكم هل ذكر الواو في إقراره أم لا . لأن الإقرار لا يلزمه فيه إلا التفسير قال : وقد صرح الشافعي بهذا في الأم .

                                                                                                                                            والطريقة الرابعة : وهي طريقة بعض المتقدمين أن اختلاف نصه لاختلاف إرادته فقوله " هاهنا يلزمه درهمان " إذا أرادهما ، أو أطلق ، وقوله في الموضع الآخر " يلزمه درهم واحد إذا أراد درهما واحدا ، ولم يطلق .

                                                                                                                                            فهذا ما ذكره الشافعي ، وما اختلف أصحابنا في مراده به .

                                                                                                                                            فأما محمد بن الحسن فيقول يلزمه أحد وعشرون درهما ؛ لأنه أول عدد مركب دخلته الواو . وكان تفسيره منصوبا ، وهكذا يقول أبو إسحاق المروزي فيمن كان نحويا وفيما ذكرنا عليهما مقنع ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية