الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكل ما وصفت من إحياء الموات وإقطاع المعادن وغيرها ، فإنما عنيته في عفو بلاد العرب الذي عامره عشر وعفوه مملوك " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الشافعي أراد بهذا الفصل أن جميع ما وصفه من إحياء الموات وإقطاع المعادن وغيرها من الحمى فإنما هو في بلاد الإسلام فقال : إنما عنيته في عفو بلاد العرب ، يريد بالعفو الموات الذي هو عفو متروك ، ويريد ببلاد العرب بلاد الإسلام : لأن بلاد العرب هي دار الإسلام ومنها بدأ وفيها نشأ ، ثم قال : الذي عامره عشر يعني لا خراج عليه ، وإنما هي أرض عشر يؤخذ العشر من زرعها ، ولا يؤخذ الخراج من أرضها ، ثم قال : وعفوه مملوك ، وروى الربيع : وعفوه غير مملوك ، فاختلف أصحابنا لاختلاف هذه الرواية ، فكان أبو علي بن أبي هريرة ، وأبو حامد المروزي ، وأبو حامد الإسفراييني ينسبون المزني إلى الخطأ في نقله حين قال : وعفوه مملوك : لأنه لو كان مملوكا ما جاز إحياؤه ، وأن الصحيح ما نقله الربيع ، وأن عفوه غير مملوك ليملك بالإحياء ، وكان أبو القاسم الصيمري وطائفة يقولون : كلا النقلين صحيح ، والمراد بهما مختلف ، فقول المزني : وعفوه مملوك ، يعني لكافة [ ص: 502 ] المسلمين ، وذلك لم يجز لمشرك أن يحيي مواتا في بلاد الإسلام ، وقول الربيع وعفوه غير مملوك يعني لواحد من المسلمين بعينه : لأن من أحياه منهم ملكه ، فإن قيل : فلم خص الشافعي رحمه الله بلاد الإسلام بهذا التقسيم من الحكم ، وقد تكون بلاد الشرك مثلها وعلى حكمها ؟ فعن ذلك جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه خص بلاد الإسلام بذلك : لأن أحكامنا عليها جارية بخلاف بلاد الشرك الذي لا تجري عليها أحكامنا .

                                                                                                                                            والثاني : أن بلاد الشرك قد يكون حكمها كبلاد الإسلام في عامرها ومواتها بحسب اختلاف فتوحها ، فلم يجز أن يجمعها في الحكم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية