الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثاني : وهو أن يكون الصبغ مما يمكن استخراجه ، فللغاصب ورب الثوب أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتفقا على تركه في الثوب وبيعه مصبوغا فيجوز ويكون بالقول فيه بعد بيعه كالقول فيما لا يمكن استخراج صبغه .

                                                                                                                                            والحال الثاني : أن يتفقا على استخراجه منه فذلك جائز ليصل الغاصب إلى صبغه ورب الثوب إلى ثوبه ، فإن استخرجه وأثر في الثوب نقصا ضمنه به .

                                                                                                                                            والحال الثالث : أن يدعو الغاصب إلى استخراجه ويدعو رب الثوب إلى تركه فللغاصب أن يستخرجه سواء نفعه أو لم ينفعه ؛ لأنها عين فملكها ، والأعيان المملوكة لا يقهر ملاكها عليها لعدم المنفعة ، فعلى هذا يكون ضامنا لنقص الثوب ونقص الزيادة الحادثة فيه بدخول الصبغ ؛ لأن رب الثوب قد ملكها ففوتها الغاصب عليه باستخراج صبغه ، مثاله أن تكون قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة فيساوي الثوب مصبوغا ثلاثين ، وبعد استخراج الصبغ منه خمسة ، فيضمن الغاصب عشرة خمسة منها هي نقص الثوب قبل صبغه ، وخمسة أخرى هي نقص قسطه من الزيادة الحادثة بعد صبغه .

                                                                                                                                            والحال الرابع : أن يدعو رب الثوب إلى استخراجه ويدعو الغاصب إلى تركه فهذا على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتركه استبقاء لملك الصبغ فيه ، فينظر فإن لم يكن الصبغ قد أحدث زيادة تفوت باستخراج الصبغ منه ففيه وجهان حكاهما ابن أبي هريرة : [ ص: 183 ] أحدهما : وهو اختيار أبي حامد ، أنه لا يجبر على استخراجه إذا امتنع لما فيه من استهلاك ماله مع قدرة رب الثوب على الوصول إلى استيفاء حقه بالبيع قال : وهو ظاهر كلام الشافعي - رضي الله عنه - ؛ لأنه مال ، قيل للغاصب : إن شئت فاستخرج الصبغ على أنك ضامن لما نقص وإن شئت فأنت شريك بما زاد الصبغ فحصل الخيار إليه فدل ذلك من قوله على أنه لا يجبر عليه ، فعلى هذا يكون في حكم ما لا يمكن استخراجه إذا بيع . والوجه الثاني : وهو أصح ، أنه يجبر على أخذه ؛ لأنه عرق ظالم لا حرمة له في الاستبقاء فصار كالغرس ، والبناء ، ويكون تخير الشافعي - رضي الله عنه - له في الترك ، والاستخراج عند رضا رب الثوب بالترك ، فعلى هذا إن استخرجه ضمن نقص الثوب قبل الصبغ ، ولم يضمن نقصه بالزيادة في حالة الصبغ ؛ لأن رب الثوب هو الذي أتلفها على نفسه بإجبار الغاصب على استخراجه . والضرب الثاني : أن يتركه الغاصب عفوا عنه وإبراء منه ، فينظر فيه فإن كان قد أحدث نقصا في الثوب ، أو كان له مؤنة في الاستخراج ، أو كان قد جبر نقصا دخل على الثوب أجبر الغاصب على استخراجه ، وإن كان زيادة محضة ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها هبة عين لا يلزم رب الثوب قبولها ويجبر الغاصب على استخراجه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها زيادة متصلة تجري مجرى غير المتميزة كالطول ، والسمن في خروجها عن الهبة إلى المسامحة ، ولا يجبر الغاصب على الاستخراج . فهذا حكم الصبغ إذا أمكن استخراجه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية