الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من جواز الإجارة فهي كالبيع يعتبر انعقادها بأربعة : بمؤجر ومستأجر ومؤاجر وأجرة فأما المؤجر فهو باذل المنفعة كالبائع وهو من صح بيعه صحت إجارته ومن لم يصح بيعه من مولى عليه وغاصب لم تصح إجارته وأما المستأجر فهو طالب المنفعة كالمشتري وهو من صح شراؤه صح استئجاره ومن لم يصح شراؤه من مولى عليه لم يصح استئجاره وأما المؤاجر فهو كل عين صح الانتفاع بها مع بقائها صحت إجارتها كالدور ، والعقار إذا لم يكن المقصود من منافعها أعيانا كالنخل ، والشجر ، وما لم يصح الانتفاع به مع بقاء عينه لم تصح إجارته كالدراهم ، والمأكول ؛ لأن منفعة الدراهم بإزالتها عن الملك ومنفعة المأكول بالاستهلاك .

                                                                                                                                            فإن استأجرهما لمنفعة تستوفى مع بقاء أعيانهما كاستئجار الدراهم للجمال واستئجار الطعام ليعتبر مكيالا ففيه لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يصح لوجود المعنى من حصول الانتفاع مع بقاء العين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يصح ؛ لأن هذا نادر من منافع ذلك ، والأغلب سواه فصار حكم الأغلب هو المغلب .

                                                                                                                                            ولأن المنافع المضمونة بالإجارة هي المضمونة بالغصب ، ومنافع الدراهم والطعام لا تضمن بالغصب فلم يصح أن تضمن بالإجارة وهكذا ما كانت منافعه أعيانا من النخل ، والشجر ؛ لأن منافعهما ثمار هي أعيان يمكن العقد عليها بعد حدوثها فلم يصح العقد عليها قبله وهكذا الغنم فإن استأجر ذلك لمنفعة تستوفى مع بقاء العين كالاستظلال بالشجر ، أو ربط مواشي إليها ، أو سفن فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون هذا غالبا فيها ومقصودا من منافعها فتصح الإجارة عليها .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون نادرا غير مقصود في العرف فيكون على ما مضى من الوجهين .

                                                                                                                                            ثم العقد وإن توجه إلى العين فهو إنما تناول المنفعة ؛ لأن الأجرة في مقابلتها وإنما توجه إلى العين لتعيين المنفعة بها وقال أبو إسحاق المروزي : العقد إنما يتناول العين دون المنفعة ليستوفي من العين مقصوده من المنفعة ؛ لأن المنافع غير موجودة حين العقد فلم يجز أن يتوجه العقد إليها وهذا خطأ .

                                                                                                                                            ألا ترى أنه قد يصح العقد على منفعة مضمونة في الذمة غير مضافة إلى عين كرجل استأجر من رجل عملا مضمونا في ذمته وإذا كان كذلك فلا بد أن تكون المنفعة معلومة كما لا بد أن يكون المبيع معلوما فإن كانت مجهولة لم تصح الإجارة كما لو كان المبيع مجهولا ، والعلم بها قد يكون من وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 392 ] أحدهما : تقدير العمل مع الجهل بالمدة .

                                                                                                                                            والثاني : تقدير المدة مع الجهل بقدر العمل فأما ما يتقدر فيه بالعمل دون المدة فمثاله أن يقول قد استأجرتك على أن تخيط لي هذا الثوب ، أو تنسج لي هذا الغزل ، أو تصوغ لي هذا الخلخال فتصير الإجارة مقدرة بالعمل فلا يجوز اشتراط المدة فيها فإن شرط فيها المدة بطلت .

                                                                                                                                            لأنه إذا قال قد استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم فقد يفرغ منه في بعضه فإن لم يعمل في باقيه فقد أخل بمقتضى شرطه وإن عمل فقد زاد على عقده .

                                                                                                                                            وأما ما يتقدر فيه بالمدة دون العمل فمثاله أن يقول قد استأجرتك على أن تبني لي شهرا فتصير الإجارة مقدرة بالمدة فتصح ، ولا يجوز تقدير العمل فيها إذا كان جنسه معلوما فإن شرط فيها قدر العمل بطلت ؛ لأنه قد لا يستكمل ذلك العمل في تلك المدة فإن ترك باقيه فقد أخل بمقتضى شرطه وإن عمل فقد زاده في عقده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية