مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا يجوز من ذلك مغيب حتى يرى الراكبين وظوف المحمل والوطاء والظل إن شرطه : لأن ذلك يختلف فيتباين ، والحمولة بوزن معلوم أو كيل معلوم في ظروف ترى ، أو تكون إذا شرطت عرفت مثل غرائر جبلية وما أشبه هذا ، وإن ذكر محملا أو مركبا أو زاملة بغير رؤية ولا صفة فهو مفسوخ للجهل بذلك ، وإن أكراه محملا وأراه إياه وقال معه معاليق ، أو قال ما يصلحه فالقياس أنه فاسد ومن الناس من يقول له بقدر ما يراه الناس وسطا " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : : كراء البهائم على ثلاثة أقسام
أحدها : ما يكترى للركوب .
والثاني : ما يكترى للحمولة .
والثالث : ما يكترى للعمل .
فأما : ما يكترى للركوب فيحتاج إلى ثلاثة شروط
أحدها : ذكر جنس المركوب من فرس ، أو بغل ، أو حمار ، أو بعير : لأن أغراض الناس فيها مختلفة لما فيها من الجمال والقبح ولأن وطاء ظهرها متباين وسيرها مختلف ، فإن لم يذكر جنس المركوب بطلت الإجارة ، فأما ذكر نوعه وصفته فلا يلزم : لأن تأثير ذلك في القيم . فإن أركبه خطما أو قحما أو ضرعا فذلك معيب فله الرد ، فأما صفة مشيه فإن كان مما لا يختلف مشي جنسه كالبغال والحمير والإبل لم يحتج إلى ذكره في العقد .
وإن كان مما يختلف مشيه كالخيل وصف مشي المركوب من مهملج ، أو قطوف فإن أخل بذلك احتمل وجهين :
أحدهما : صحة الإجارة وركب الأغلب من خيل الناس .
والثاني : بطلانها لما فيه من التباين واختلاف الأغراض ، هذا فيما وصف بالعقد ولم يعين ، فأما ما عين بالعقد فلا يحتاج إلى ذلك فيه فيصير المركوب معلوما بأحد وجهين :
إما بالتعيين والإشارة وإما بالذكر والصفة ، ويصح العقد فيهما وهما في صحة العقد على سواء وإن اختلفا في بعض الأحكام .
والشرط الثاني : ، فإن وصف الراكب من غير تعيين ولا مشاهدة لم يجز لاختلاف حال الراكب في بدنه وحركاته التي لا تضبط بالصفة . تعيين الراكب بالمشاهدة دون الصفة
[ ص: 412 ] فإن أراد بعد تعيينه بالعقد أن يبدل نفسه بغيره ليركب في موضعه فإن استبدل بمن كان مثله في الثقل والحركة أو أخف جاز ، ولم يجز أن يستبدل بمن هو أثقل . ولو أراد الجمال المكري أن يبدل البعير الذي وقع العقد عليه معينا لم يجز بخلاف الراكب .
والفرق بينهما أن حق الركوب للراكب فجاز أن يستوفيه بنفسه وبغيره فصار وإن تعين في الاستحقاق غير معين في الاستيفاء ، وليس كالبعير الذي قد تعين استيفاء الحق منه .
والشرط الثالث : : لأنها تختلف على البهيمة والراكب ، فإن كان ذلك على سرج أو قتب أو زاملة صح أن يكون مشاهدا وموصوفا فيصير بكل واحد من هذين معلوما ، فإن لم يشاهده ولم يوصف صح إن كان مشروطا على الجمال ، وبطل إن كان مشروطا على الراكب : لأنه إذا كان مشروطا على الجمال فهو مستأجر مع البعير فصح أن لا يوصف كما يصح أن لا يوصف البعير ، وإذا كان مشروطا على الراكب فهو محمول بأجرة فلم يصح أن لا يوصف كما لا يصح أن لا يوصف كل محمول . وأما المحمل فإن كان مشروطا على الجمال صح وإن أشار إلى الجنس المعهود منها صح أن لا يشاهد ولا يوصف وإن كان مشروطا على الراكب فلا بد أن يكون معلوما بالمشاهدة . فأما بالصفة فلا يصير معلوما لاختلافها مع السعة والضيق بالثقل والخفة ؛ لاختلاف أغراض الناس فيها وتباين مقاصدهم ، فلم يكن فيه عرف يقصد ولا صفة تضبط ، وحكي عن ذكر ما يركب فيه من سرج أو قتب أو على زاملة أو في محمل أبي علي بن أبي هريرة أنه يصير معلوما بالصفة ، ويصح العقد فيه كما يصح في المشاهدة ، وحكي عن أبي إسحاق المروزي أنها إن كانت من محامل بلد لا تختلف كالبغدادية جاز ، وإن كانت مختلفة كالخراسانية لم يجز ، وكلا القولين يفسد بما ذكرنا ، فإن شرط على المحمل ظلا احتاج فيه إلى شرطين :
أحدهما : أن يكون الظل معلوما ، والعلم به قد يكون بالمشاهدة تارة وبالصفة أخرى بخلاف المحمل .
والثاني : ذكر ارتفاعه وانخفاضه لاختلاف ذلك على البعير والراكب .
فأما المعاليق فهي ما يتعلق على المحمل من توابعه وأدوات راكبه كالقربة والسطحية والزنبيل والقدر وكذا المضربة والمخدة ، فإن شوهد ذلك مع المحمل أو وصف مع مشاهدة المحمل صار بكلا الأمرين معلوما وصح العقد ، وإن أطلق ذكرها من غير مشاهدة ولا صفة ؛ فإن كانت معاليق الناس بذلك البلد مختلفة بطل العقد ، وإن كانت متقاربة ففيه قولان : أحدهما : وهو القياس بطلان الإجارة : لأن التماثل فيها متعذر .
والقول الثاني : جوازها لضيق الأمر في مشاهدتها أو صفتها ، وأن العمل بإطلاقها جائز ، وعرف الناس فيها مقصود .