الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 539 ] باب العمرى والرقبى من اختلاف مالك والشافعي - رضي الله عنهما -

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " أخبرنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن حجر المدري ، عن زيد بن ثابت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه جعل العمرى للوارث ومن حديث جابر - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تعمروا ولا ترقبوا ، فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو سبيل الميراث . قال الشافعي - رحمه الله - : وهو قول زيد بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، وابن عمر ، وسليمان بن يسار ، وعروة بن الزبير - رضي الله عنهم - وبه أقول ( قال المزني ) رحمه الله : معنى قول الشافعي عندي في العمرى أن يقول الرجل : قد جعلت داري هذه لك عمرك أو حياتك ، أو جعلتها لك عمري أو رقبى ، ويدفعها إليه فهي ملك للمعمر تورث عنه إن مات " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن العمرى والرقبى عطيتان من عطايا الجاهلية ، ورد الشرع فيهما بأمر ونهي ، اختلف الفقهاء لأجلهما وفي الذي أريد بهما ، أما العمرى فهو أن يقول : جعلت داري هذه لك عمري ، أو يقول : قد جعلتها لك عمرك ، أو مدة حياتك ، فيكون له مدة حياته وعمره ، فإذا مات رجعت إلى المعمر إن كان حيا ، أو إلى وارثه إن كان ميتا ، سميت عمرى لتملكه إياها مدة عمره وحياته ، وإذا مات رجعت إلى المعمر ومنه - قوله تعالى - : هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها [ هود : 61 ] يعني أسكنكم فيها مدة أعماركم فصرتم عمارها .

                                                                                                                                            وأما الرقبى فهو أن يقول : قد جعلت داري هذه لك رقبى ، يعني : إنك ترقبني وأرقبك ، وإن مت قبلي رجعت إلي ، وإن مت قبلك فالدار لك ، فسميت رقبى من مراقبة كل واحد منهما لصاحبه ، وكان الناس في الجاهلية على ما وصفنا في العمرى والرقبى إلى أن جاء ما رواه الشافعي بإسناده في أول الكتاب ، فاختلف الفقهاء في الرقبى والعمرى ، فذهب داود وأهل الظاهر وطائفة من أصحاب الحديث إلى بطلانها استدلالا بعموم النهي ، وذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة وصاحباه : إلى جوازها على ما سنذكره استدلالا برواية قتادة ، عن عطاء ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : العمرى جائزة .

                                                                                                                                            وروى الشافعي ، عن عبد الوهاب ، عن هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن [ ص: 540 ] جابر ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العمرى لمن وهب فأما قوله : " لا تعمروا ، ولا ترقبوا " فقد اختلف أصحابنا إلى ماذا يوجه النهي على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يوجه إلى الحكم ، وهذا أظهر الوجهين فيه : لأنه قال : فمن أعمر شيئا ، أو أرقبه فهو سبيل الميراث .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يوجه إلى اللفظ الجاهلي ، والحكم المنسوخ على ما سنشرحه من بعد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية