الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الأجير المشترك فإن تلف المال في يده بجنايته وعدوانه فعليه ضمانه : لأن الأمانات تضمن بالجنايات وإن تلف بغير جنايته ولا عدوانه ، ففي وجوب ضمانه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه ضامن وقبضه قبض ضمان وبه قال مالك ، وابن أبي ليلى وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وروي نحوه عن علي ، وعمر ، ووجهه مما روى خلاس بن عمرو وقال : كان علي كرم الله وجهه يضمن الأجير ويقول : هذا يصلح الناس ، ولأنه تصرف في ملك غيره لمنفعة نفسه فوجب أن يكون من ضمانه كالمستعير ؛ ولأن الأجرة ترجع إليه فوجب أن يكون الضمان عليه كالمؤجر المستحق لأجرتها ، كذلك الأجير يجب أن يكون عليه ضمان المال : لأن الأجرة صائرة إليه ، فعلى هذا يكون كالعارية وفي كيفية ضمانها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يضمن قيمته وقت التلف .

                                                                                                                                            والثاني : أكثر ما كان قيمته من وقت القبض إلى وقت التلف .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه لا ضمان عليه وقبضه قبض أمانة .

                                                                                                                                            وبه قال عطاء وطاوس ، وهذا أصح القولين واختاره المزني .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن تلف بغير فعل الأجير لم يضمنه ، وإن تلف بفعله ضمنه ، سواء كان فعله عدوانا أم لا ، فأما الأجرة فلا يستحقها الأجير وإن عمل ، سواء ضمن أو لم يضمن : لأن عمله تلف في يد نفسه لا في يد مستأجره بخلاف المنفرد ، والدليل على سقوط الضمان عنه [ ص: 427 ] هو أن الأصول موضوعة على أن من أخذ مال غيره لمنفعة نفسه ضمنه كالمقترض ، والمستعير أخذه لمنفعة مالكه لم يضمنه كالمودع ، ومن أخذه لمنفعة مشتركة بينه وبين مالكه كالمضارب والمرتهن فلا يضمن إلا بالتعدي ، كذلك الأجير أخذ المال لمنفعة نفسه ومنفعة مالكه فوجب أن لا يضمنه . ولأن عقد الإجارة لما جعل يد المستأجر يد أمانة وجب أن يجعل يد الأجير يد أمانة ؛ ولأنه لما كان أحد الأجيرين وهو المنفرد مؤتمنا وجب أن يكون الأجير المشترك مؤتمنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية