مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ؛ لأنها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه " وهذا كما قال . فالإجارات صنف من البيوع لا يجوز فسخه إلا بعيب كالمبيع . عقد الإجارة من العقود اللازمة
[ ص: 393 ] فإن فللمستأجر أن يفسخ دون المؤجر كما لو وجد بالمبيع عيب كان للمشتري أن يفسخ دون البائع . كان العيب موجودا في الشيء المؤاجر كالدار إذا خربت ، والدابة إذا مرضت
وإن كان العيب موجودا في الأجرة فإن كانت في الذمة أبدل المعيب بغيره ، ولا خيار وإن كانت معينة فللمؤجر أن يفسخ دون المستأجر كما يفسخ البائع بوجود العيب في الثمن المعين دون المشتري ، ولا يجوز . وقال فسخ الإجارة بعذر يطرأ إذا لم يظهر في المعقود عليه عيب أبو حنيفة : يجوز للمستأجر ، ولا يجوز للمؤجر أن يفسخ بالأعذار مثل أن يستأجر جملا لحج ثم يبدو له العدول من الحج إما لعذر ، أو غير عذر فيصير ذلك عذرا في فسخ الإجارة . فسخ الإجارة بالأعذار الظاهرة مع السلامة من العيوب
أو يستأجر دارا ليسكنها ثم يريد النقلة عن البلد ، أو يستأجر حرزا لمتاعه ثم يريد بيعه ، أو يستأجر من يطحن له برا ثم يريد بذره إلى ما أشبه ذلك من الأعذار فيجعل له بها فسخ الإجارة استدلالا بأن عقود المنافع لا تلزم من الطرفين كالوكالة ولأن للأعذار مدخلا في فسخ الإجارة .
ألا ترى أن من استؤجر لقلع ضرس فبرئ جاز للمستأجر ، ولم يجبر على قلع ضرسه وكذا كل عذر ودليلنا قوله تعالى : فسخ الإجارة للعذر الطارئ ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ المائدة : 1 ] ، فكان عموم هذا الأمر يوجب الوفاء بكل عقد ما لم يقم دليل يخصصه .
ولأن كل عقد لزم العاقدين مع سلامة الأحوال لزمهما ما لم يحدث بالعوضين نقص كالبيع .
ولأن كل عقد لزم العاقد عند ارتفاع العذر لم يحدث له خيار بحدوث عذر كالزوج ولأن كل سبب لا يملك به المؤجر الفسخ لم يملك به المستأجر الفسخ كالأجرة لا يكون حدوث الزيادة فيها موجبا لفسخ المؤجر كما لم يكن حدوث النقصان فيها موجبا لفسخ المستأجر ؛ لأن نقصانها في حق المستأجر كزيادتها في حق المؤجر ولأنه عقد إجارة فلم يجز فسخه بعذر كالمؤجر .
ولأن العقود نوعان : لازمة فلا يجوز فسخها لعذر كالبيع ، وغير لازمة فيجوز فسخها لغير عذر كالقراض ، فلما لم يكن عقد الإجارة ملحقا بغير اللازم في جواز فسخه بغير عذر وجب أن يكون ملحقا باللازم في إبطال فسخه بعذر .
[ ص: 394 ] فأما الجواب عن قياسه على الوكالة فهو أن الوكالة غير لازمة يجوز فسخها بعذر ، وغير عذر وليس كذلك الإجارة .
وأما استدلاله بأن للأعذار تأثيرا في عقود الإجارات كالضرس المستأجر على قلعه إذا برئ فالجواب عنه هو أن من ملك منفعة بعقد إجارة فقد استحقها وليس يجب عليه استيفاؤها ، ألا ترى أن من استأجر سكنى دار فله أن يسكنها ، ولا يجبر على سكناها فإن مكن من سكناها فلم يسكن فعليه الأجرة هذا أصل مقرر في الإجارة وإذا كان كذلك فإن كان الضرس على حال مرضه ، وألمه فقلعه مباح وللمستأجر أن يأخذ الأجير بقلعه إن شاء .
فإن أبى المستأجر أن يقلعه مع ألمه لم يجبر عليه وقيل له قد بذل لك الأجير القلع وأنت ممتنع فإذا مضت مدة يمكن فيها قلعه فقد استحق أجرته كما لو مضت مدة السكنى وإن برئ الضرس في الحال قبل إمكان القلع بطلت الإجارة ؛ لأن قلعه قد حرم ، فصار محل العمل معدوما فلذلك بطلت الإجارة كما لو استأجره لخياطة ثوب فتلف إذ لا فرق بين تعذر العمل بالتلف وبين تعذره بالحظر . وعقد الإجارة إنما يتناول مباحا لا محظورا