[ ص: 328 ] مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ومتى شاء ربه أخذ ماله قبل العمل وبعده ومتى شاء العامل أن يخرج من القراض خرج منه " .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن عقد القراض من العقود الجائزة دون اللازمة ، ، فإذا فسخها أحدهما انفسخت وصار كاجتماعهما على فسخها ثم لا يخلو المال من أن يكون ناضا ، أو غير ناض . فإن كان ناضا من دراهم ، أو دنانير لم يخل أن يكون من جنس رأس المال ، أو من غير جنسه فإن كان من جنس رأس المال مثل أن يكون دراهم ورأس المال دراهم ، أو يكون دنانير ورأس المال دنانير ، فالعامل ممنوع من التصرف فيه ببيع ، أو شراء سواء كان هو الفاسخ أو ربه ، ثم نظر فإن كان فيه فضل تقاسماه على شرطهما ، وإن لم يكن فيه فضل ، أو كان فيه خسران أخذه رب المال ، ولا شيء فيه للعامل . فلكل واحد من رب المال ، والعامل أن ينفرد بالفسخ قبل العمل وبعده مع وجود الربح ، أو حدوث الخسران
وإن كان من غير جنس رأس المال مثل أن يكون دراهم ورأس المال دنانير ، أو يكون دنانير ورأس المال دراهم فحكم هذا كحكمه لو كان عرضا .
ولهما في العرض بعد فسخ القراض أربعة أحوال :
أحدها : أن يجتمعا على بيعه فيلزم العامل أن يبيعه ؛ لأنه من لوازم عقده فإذا نض ثمنه أخذ رب المال ماله وتقاسما فضلا إن كان فيه .
والحالة الثانية : أن يتفقا على ترك بيعه فهذا على ضربين :
أحدهما : أن لا يكون في ثمنه لو بيع فضل فقد سقط حق العامل منه وصار العرض ملكا لرب المال بزيادته ونقصه ، فإن زاد ثمنه بعد ترك العامل له لم يكن له حق في زيادته لخروجه بالترك عن قراضه .
والضرب الثاني : أن يكون في ثمنه فضل لو بيع عند تركه فينظر في ترك العامل ، فإن كان قد تركه إسقاطا لحقه فقد صار العرض بزيادته ونقصه ملكا لرب المال ، ولا شيء للعامل وإن كان قد تركه تأخيرا لبيعه فهو على حقه من فضل ثمنه وله بيعه متى شاء .
والحال الثالث : أن يدعو العامل إلى بيعه ويمنعه رب المال منه فهذا على ضربين :
أحدهما : أن لا يرجو في ثمنه فضلا ، ولا يأمل ربحا فليس له بيعه ويمنع منه ؛ لأنه لا يستفيد ببيعه شيئا .
[ ص: 329 ] والضرب الثاني : أن يرجو في ثمنه فضلا ويأمل ربحا فله بيعه وليس لرب المال أن يمنعه ليصل بالبيع إلى حقه من الربح .
فلو ففي بيعه وجهان مخرجان من اختلاف قولين في سيد العبد الجاني إذا منع المجني عليه من بيعه ، وبذل له قدر قيمته : أحدهما : يمنع المجني عليه من بيع العبد لوصوله إلى قيمته ، ويمنع العامل من بيع العرض لوصوله إلى ربحه . بذل له رب المال حصته من ربحه ومنعه من بيعه
والثاني : أن المجني عليه لا يمنع من بيع العبد إلا ببذل جميع الجناية ؛ لأنه قد يرجو الوصول إليها بالبيع إن حدث له راغب ، ولا يمنع العامل من بيع العرض ؛ لأنه قد يرجو زيادة على القيمة لحدوث راغب .
والحال الرابع : أن يدعو رب المال إلى بيعه ويمتنع العامل منه .
فإن كان امتناعه لغير ترك لحقه منه أجبر على بيعه لتنقطع علته فيه ويتصرف رب المال في ثمنه .
وإن كان امتناعه تركا لحقه منه ففي إجباره على بيعه وجهان :
أحدهما : لا يجبر عليه ؛ لأن البيع والشراء إنما يلزم في حقيهما ، وببطلان القراض قد سقط أن يكون ذلك حقا لهما .
والوجه الثاني : أنه يجبر على بيعه ؛ لأن رد رأس المال مستحق عليه ، وليس العرض رأس المال وإنما هو بدل عنه .