الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وليس لأحد أن يعطي ولا يأخذ من الذي حماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أعطيه فعمره نقضت عمارته " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح أما حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز أن يمكن أحد من إحيائه ، فإن أحياه إنسان لم يخل حال السبب الذي حماه من أجله من مواشي الفقراء ونعم بعلاقات من أن يكون باقيا ، أو زائلا ، فإن كان السبب باقيا ، والحاجة إليه ماسة فإحياؤه مردود وعمارته منقوضة وهو على ما حياه بمنع الناس كلهم من إحيائه : لأن حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يتعقب بنقض ، ولا أن يعترض عليه بإبطال ، وإن كان السبب زائلا وحاجة الفقراء إليه قد ارتفعت ونعم الصدقات قد تحولت ، ففي جواز إحيائه وإقرار عمارته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : هو قول أبي حامد الإسفراييني : يجوز : لأن السبب يقتضي زوال المسبب : لأن ما وجب لعلة زال بزوالها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول جمهور أصحابنا : لا يجوز إحياؤه وإن زال سببه : لأنه قد يجوز أن يعود السبب بعد زواله كما أن ما خرب من المساجد بخراب بقاعها ، لا يجوز بيعه لجواز أن تعود عمارة البقعة فيحتاج إلى مساجدها ، ولأن في إحيائه نقضا لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما حمى الأئمة ، فإن قيل : إنه لا يجوز فإحياؤه جائز ، وإن قيل : إن حمى الإمام جائز كحمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل يجوز إحياؤه وتمليك محييه فيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يملكه بالإحياء كما لا يملك حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لأن كليهما حمى محرم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يملك بالإحياء وإن منع منه : لأن حمى الإمام اجتهاد وملك الموات بالإحياء نص ، والنص أثبت حكما من الاجتهاد ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية