الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : واستدل مالك على أن إجارتها بالطعام وبما ينبت من الأرض لا يجوز ، بحديث سليمان بن يسار ، عن رافع بن خديج ، عن بعض عمومته ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من كانت له أرض فليزرعها ، أو ليزرعها أخاه ، ولا يكاريها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى وروى طارق بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب ، عن رافع بن خديج قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة والمزابنة وقال : إنما يزرع ثلاثة : رجل له أرض فهو يزرعها ، ورجل منح أرضا فهو يزرع ما منح ، ورجل استكرى أرضا بذهب أو فضة .

                                                                                                                                            ولأن استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها باطل كالمخابرة .

                                                                                                                                            ودليلنا على مالك رواية الأوزاعي ، عن حنظلة بن قيس الأنصاري قال : سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق ، فقال : لا بأس بها ، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما على الماذيانات ، وأقبال الجداول ، وأشياء من الزرع ، فيهلك هذا ويسلم هذا ، ويسلم هذا ويهلك هذا ، ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه ، فأما شيء مضمون معلوم فلا بأس به فكان هذا على عمومه مع شبيهه على معنى النهي ، فصار هذا تفسيرا لما أجمله من النهي .

                                                                                                                                            [ ص: 455 ] ولأن ما صح أن يؤاجر بالذهب والورق ، صح أن يؤاجر بالبر والشعير ؛ كالدور والعقار ، ولأن ما صح أن تؤاجر به الدور والعقار ، صح أن تؤاجر به الأرضون كالذهب والورق .

                                                                                                                                            فأما الجواب عما استدل به الحسن من حديثي رافع في النهي عن كراء الأرض فمحمول على ما فسره في هذا الحديث من كرائها بما على الماذيانات : لأن الروايات عن رافع مختلفة .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن جمعه بين الأرض ، وبين النخل والشجر فهو أن المستفاد من النخل أعيان ، ومن الأرض آثار .

                                                                                                                                            وأما الجواب عما استدل به مالك من حديثي رافع فهو ما ذكرنا ، ونهيه عن إجارتها بطعام مسمى يعني من الأرض المؤاجرة .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسه على المخابرة ، فهو أن العوض في المخابرة لا يثبت في الذمة ، وفي الإجارة يثبت في الذمة ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية