الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وكذلك لو زوق دارا كان له نزع التزويق حتى يرد ذلك بحاله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف أصحابنا في تأويل قوله وكذلك لو زوق دارا . فكان بعض المتقدمين منهم يرويه : وكذلك لو روق بالراء غير المعجمة من الرواق ويجعل حكمه حكم البناء فيكون على ما مضى ، وذهب جمهورهم إلى أن الرواية وكذلك لو زوق بالزاي معجمة [ ص: 172 ] من التزاويق ، والزخرفة ؛ لأن الزواق من جملة البناء ، وقد ذكره من قبل ، فعلى هذا إذا زوق دارا مغصوبة فلا يخلو حال مالكها وغاصبها من أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتفقا على ترك التزاويق لحالها فذلك لها إلا أن يكون فيها محظور من صور ذات أرواح فلا يجوز تركها .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن يتفقا على قلعها وإزالتها فذلك لها سواء انتفع الغاصب بالقلع أم لا ، ثم إن أثر القلع في الحيطان نقصا ، فعلى الغاصب غرامة أرشه .

                                                                                                                                            والحال الثالث : أن يدعو الغاصب إلى قلعها ويأبى رب الدار فإن كان له مرجوع بعد القلع فللغاصب قلعها ؛ لأنه مال له وإن لم يكن له مرجوع فليس للغاصب قلعها ؛ لأنه لا يستفيد بقلعها إلا إتعاب نفسه وأعوانه وإذهاب نفقته .

                                                                                                                                            والحال الرابع : أن يدعو رب الدار إلى قلعها ويأبى الغاصب فإن كان تركها موكسا للدار أجبر الغاصب على القلع وغرامة الأرش وإن كان زائدا ، أو لم يكن موكسا فإن تركه الغاصب مستبقيا له على ملكه أجبر على القلع وإن تركه مزيلا لملكه عنه فإن كانت آثارا كالأصباغ ، ولم تكن أعيانا لم يجبر الغاصب على إزالتها ؛ لأنها آثار زائدة كغسل الثوب وكان العفو عنها إبراء منها وإن كانت أعيانا كالجص ، والرخام ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها تترك كالآثار ، ولا يجبر الغاصب على قلعها ؛ لأنها زيادة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يؤخذ الغاصب بقلعها ؛ لأن الأعيان لا يجبر الإنسان على تملكها وأصل هذين الوجهين من الزوج إذا أصدق زوجته ثمرة وجعلها في صفر له ثم تركه لزوجته هل تجبر الزوجة على قبوله أم لا ؟ على وجهين ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية