مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو استكره أمة ، أو حرة فعليه الحد ، والمهر ، ولا معنى للجماع إلا في منزلتين إحداهما : أن تكون هي زانية محدودة فلا مهر لها ومنزلة تكون مصابة بنكاح فلها مهرها ومنزلة تكون شبهة بين النكاح الصحيح ، والزنا الصريح فلما لم يختلفوا أنها إذا أصيبت بنكاح فاسد أنه لا حد عليها ولها المهر عوضا من الجماع انبغى أن يحكموا لها إذا استكرهت بمهر عوضا من الجماع ؛ لأنها لم تبح نفسها فإنها أحسن حالا من العاصية بنكاح فاسد إذا كانت عالمة " .
قال الماوردي : وهذا كما قال . إذا وجب عليه الحد دونها واختلفوا في وجوب المهر لها فذهب استكره الرجل امرأة على نفسها حتى وطئها كرها الشافعي - رضي الله عنه - إلى وجوب المهر عليه حرة كانت ، أو أمة .
وقال أبو حنيفة : لا مهر عليه حرة كانت ، أو أمة .
وقال مالك : إن كانت حرة فعليه المهر وإن كانت أمة فلا مهر عليه واستدل من أسقط عنه المهر بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بالتخفيف يعني الزنا وهذا زنا فوجب أن يسقط فيه المهر وروى نهى عن مهر البغي ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كسب الزمارة قال أبو عبيد : يعني الزانية كنهيه عن مهر البغي قالوا ولأنه وطء أوجب حدا فلم يوجب مهرا كالمطاوعة قالوا : ولأن الحد ، والمهر متنافيان فلما وجب الحد إجماعا سقط المهر حجاجا قالوا : ولأن حكم الفعل معتبر بأحوال الفاعل ، والزنا فعل الواطئ فوجب أن يكون المهر معتبرا بحاله . ودليلنا : ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ، والمستكره مستحل لفرجها فاقتضى أن يلزمه [ ص: 164 ] مهرها فإن قيل فقد خص النكاح بذلك ذكرا فاختص به حكما قيل الاستدلال من الخبر بتعليله وهو قوله بما استحل من فرجها ، والتعليل عام ولأنه وطء في غير ملك سقط الحد فيه عن الموطوءة فاقتضى أن يجب المهر فيه على الواطئ قياسا على النكاح الفاسد ، وما ذكره أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها الشافعي - رضي الله عنه - وهو أن المغتصبة أحسن حالا من المنكوحة نكاحا فاسدا من وجهين : أحدهما : أن المنكوحة مع علمها عاصية ، والمغتصبة غير عاصية .
والثاني : أن المنكوحة ممكنة ، والمغتصبة مستكرهة فلما وجب المهر للمنكوحة نكاحا فاسدا فأولى أن يجب للمستكرهة ؟ ولأن منافع البضع تجري مجرى الأموال ؛ لأنها تملك بعوض في النكاح ويملك بها عوض في الخلع ثم ثبت أن الأموال تضمن بالغصب فكذلك منافع البضع ، ثم لك أن تستدل بما ذكرنا من ضمان الأجرة ؛ لأن أصلهما واحد ، والخلاف فيهما على سواء فأما الجواب عن نهيه عن مهر البغي فروي بالتشديد يعني مهر الزانية ، والمستكرهة غير زانية ، ألا ترى أن الحد ساقط عنها ولو كانت بغيا لوجب الحد عليها . وأما الجواب عن نهيه عن ففيه تأويلان : كسب الزمارة
أحدهما : أنه نهى عن كسب الزمارة من الزمر ، والسعاية ، فعلى هذا لا تعلق له بمسألتنا . والرواية الثانية : أنه نهى عن كسب الزمارة بالتشديد وتقديم الزاي المعجمة فيكون كنهي البغي وليست هذه بغيا ، ولا زانية .
وأما قياسهم على المطاوعة فالمعنى فيه وجوب الحد عليها .
وأما استدلالهم بتنافي المهر والحد فصحيح لكن يتنافى اجتماعهما في الموطوءة دون الواطئ .
والدليل على أن المهر يعتبر به شبهة الموطوءة أن رجلا لو تزوج امرأة فزفت إليه غيرها فوطئها وهو لا يعلم بها فلا حد عليه ثم ينظر في المرأة فإن علمت فعليها الحد ، ولا مهر لها وإن لم تعلم فلا حد عليها ولها المهر فدل على أن المعتبر به شبهة الموطوءة دون الواطئ ؛ لأن المهر يجب إن لم تعلم وسقط إن علمت . وأما استدلالهم بأن الوطء فعل الواطئ فكان حكمه معتبرا به .
فالجواب عنه أنه وإن كان فعلا منه فحكمه معتبر بحال من أتلف عليه ألا ترى أن رجلا لو قتل عبدا بإذن سيده سقطت القيمة عنه ، ولو كان بغير إذنه وجبت القيمة عليه وهو في الحالتين قاتل عاص لكن سقط عنه في الحال الأول لرضا المتلف عبده وإذنه ووجب عليه في الحال الثاني لعدم رضاه وإذنه كذلك إن طاوعت فهي راضية بإتلاف بضعها بغير بدل وإن استكرهت فهي غير راضية بإتلافه على غير بدل . الموطوءة
[ ص: 165 ]