الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن الجناية عليه مضمونة بمقدر من قيمته فله أن يأخذ العبد بأرش الجناية وإن كانت بجميع قيمته كالجناية على يديه فيها جميع قيمته وكالجناية على ذكره توجب جميع قيمته وإن زادت قيمته بالجناية أضعافا وهكذا لو أوجبت الجناية فيما استحقها على الجاني ، والعبد على ملكه فقطع ذكره وأنثييه يوجب كل منهما قيمته كاملة .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان أرش الجناية نصف القيمة فما دون أخذها من العبد على ملكه وإن كانت أكثر من النصف ملك الجاني بها العبد وعليه جميع قيمته ، ولا يوجب في الجناية عليه أكثر من قيمة واحدة استدلالا بأنه مملوك فلم يجز أن يضمن بأكثر من قيمته كالأموال ، قال ولأن في غرم القيمة ورد العبد جمعا بين البدل ، والمبدل وذلك غير جائز .

                                                                                                                                            ودليلنا من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الجاني لا يملك العبد بجنايته .

                                                                                                                                            والثاني : أنها قد توجب أكثر من قيمته .

                                                                                                                                            فأما الدلالة على أن الجاني لا يملك العبد بجنايته فهو أن كل ما لم يملك به غير العبد لم يملك به العبد كالغصب ولأن كل من لم يملك بالجناية على نصفه لم يملك بالجناية على أكثره كالمدبر وأم الولد ، والمكاتب . ولأنها جناية على عبد فلم يجز أن يملك بها قياسا على من لم يزد أرشه على النصف ، ولأن جماعة لو اشتركوا في الجناية عليه في أكثر قيمته لم يملكوه فكذلك الواحد .

                                                                                                                                            وتحريره : أن كل جناية لا تكون سببا للملك عند الاشتراك لا تكون سببا للملك عند الانفراد قياسا على نقص من النصف وأما الدلالة على أنها قد توجب أكثر من قيمته فهو أن كل من تقدرت الجناية في أطرافه جاز أن تزيد على ضمان نفسه كالحر . ولأن كل ما ضمن [ ص: 142 ] بالجناية على الحر ضمن بالجناية على العبد قياسا على ما لم يزد على ضمان النفس . ولأن كل جناية أوجبت الزيادة على ضمان النفس في الحر أوجبت الزيادة على ضمان النفس في العبد قياسا على تكرار الجناية بعد الاندمال ولهذه المعاني امتنع أن يلحق بضمان الأموال ، وأما ما ذكره من الجمع بين البدل ، والمبدل فخطأ ؛ لأن المأخوذ بدل من الأطراف الفانية وليس ببدل من النفس الباقية كالحر الذي تؤخذ ديات أطرافه مع بقاء نفسه ، ولا يكون جمعا بين بدل ومبدل .

                                                                                                                                            وأما الحالة الثالثة : وهو أن يضمنه باليد ، والجناية جميعا فصورتها أن يغصب عبدا فيقطع يده فلا يخلو حال قاطعها من أن يكون الغاصب ، أو غيره ، فإن قطعها الغاصب فهو ضامن لها بأكثر الأمرين من ضمان اليد ، أو ضمان الجناية ؛ لأن إحدى اليدين مضمونة في الجناية بنصف القيمة وفي الغصب بما نقص من القيمة ، فإذا كان الناقص من قيمته أكثر من النصف ضمنه ضمان الغصب ؛ لأنه لو انفرد بالغصب من غير جناية لضمن جميع نصفه ، فإذا صار مع الغصب جانيا فأولى أن يضمنه ، وإن كان الناقص من قيمته أقل من النصف ضمنه ضمان الجناية ؛ لأنه لو انفرد بالجناية من غير غصب ضمن نصف قيمته فإذا صار مع الجناية غاصبا فأولى أن يضمنه ، وإن كان الجاني غير الغاصب فهو مضمون على الغاصب بأكثر الأمرين من ضمان الجناية ، أو ضمان الغصب وهو مضمون على الجاني ضمان الجناية دون الغصب وهو بالخيار بين الرجوع على الجاني ، أو الغاصب وإذا كان كذلك فلا يخلو حال الجناية وضمان الغصب من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتساويا فيكون الناقص من قيمته بقطع إحدى يديه النصف فله الخيار في الرجوع على أيهما شاء فإن رجع به على الغاصب رجع الغاصب به على الجاني وإن رجع به على الجاني لم يرجع الجاني به على الغاصب ، والله أعلم .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون ضمان الجناية أكثر من ضمان الغصب مثل أن يكون الناقص من قيمته الثلث فله الرجوع بضمان الجناية وهو نصف القيمة على أيهما شاء فلو رجع به على الغاصب رجع الغاصب به على الجاني وإن رجع به على الجاني لم يرجع به الجاني على الغاصب .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون ضمان الغصب أكثر من ضمان الجناية مثل أن ينقص من قيمته الثلثان فإذا أراد الرجوع به على الغاصب رجع عليه بثلثي القيمة وهو ضمان الغصب [ ص: 143 ] ورجع الغاصب على الجاني بنصف القيمة وهو ضمان الجناية وإن زاد الرجوع على الجاني رجع عليه بنصف القيمة ضمان الجناية ورجع بالسدس الزائد عليه بضمان الغصب على الغاصب لاختصاصه بضمانه دون الجاني فإن أراد أن يقتص لعبده لكون الجاني عبدا فاقتص من إحدى يديه قودا برئ الغاصب من نصف القيمة لاستيفاء السيد له بالقصاص وبقي عليه السدس الزائد إلا بضمان الغصب فيرجع به السيد على الغاصب وحده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية